د. عبد السلام
الكبسي
إنجازات
الأنبياء ..
أما
إلغاء العبودية , فهو
إنجاز محمد بن عبدالله صلوات الله عليهما
كان , بالإضافة إلى التوحيد وأشياء أخر, إلغاء العبودية
رقاً ,وعلى نحو حاسم وقطعي
.
لم تكن مهمة
الأنبياء الدعوة إلى التوحيد بنفي الشرك ودحض الكفر , وإبلاغ الأحكام والشرائع
المجملة من الله إلى البشرية , ومن ثَمَّ تفصيلها حسب الوحي من لدن الحكيم العليم
.
, والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر والعدالة والمساواة , والحرية , وما إلى ذلك , مما لا مجال هنا
لإحصائه وذكره كله , وحسب ْ, وإنما , وهو مانرمي إليه , بملاحظتنا هذه , وهو مهم ,
إنقاذ البشرية بالعمل على نقلهم من حالة الجمود والمآزق , والعوائق , إلى عكس ذلك
, من الحلول , والتحولات المفصلية حضارياً
, في كل أدوار التاريخ الإنساني منذ آدم عليه السلام , كأول نبي , ورسول
تلقى الأحكام : " ... " حتى
محمد عليه الصلاة والسلام , كخاتم للأنبياء والمرسلين . وبمحمد ينقطع , من
بعده , التواصل بين السماء والأرض من الوحي , ويبدأ معه , دورُ العلماء كورثةٍ
للأنبياء , وقد رفعهم الله درجات من عنده , ولدى الناس , بقوله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا
قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ
وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا
مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ (11) – المجادلة ., وبقوله تعالى , على وجه التوجيه , والتأييد : "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ
كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) – النحل . , وقوله تعالى بصفتهم الباحثين عن الخقيقة , ولذلك كانت
خشيتهم من الله , أقوى يقيناً , بالتجربة والعلم , لا بالنقل , والتوريث تقليداً : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) – فاطر , صدق الله العظيم .
ودعاهم , ومنهم من صدق دعوته , للبحث مثلاً
: " قُلْ
سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ
يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) – العنكبوت .
كما دعاهم , في مواضع مختلفة , ومنها ,
التالي , للتأمل : " أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ
كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى
السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18)
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) – الغاشية .
فذهب العلماء , ومازالوا , كلَّ مذهب
بالبحث , واكتشفوا الله , من خلال عملهم بالأسباب , فغاصوا في قيعان البحار ,
وصعدوا متجاوزين الأقطار , أو كادوا , على براق العلم , لا براق الخرافات , ومازال
منهم , من يواصل المشوار هنا , وهناك , وفي غير مجال يفيد البشرية , وينير لها
الطريق .
نقوا ذلك , بالعودة إلى موضوعة التحولات
التي ساهم في صنعها الأنبياء , بالوحي , وعلى وجه الإبتداء والحصر , فهذا آدم (ع) سيكتشف النار
, ويعمل على نقل البشرية من وضعية العُري , إلى اللباس بستر العورة والبدن معاً ,
وما إلى ذلك من الدفاء , واتخاذ الكهوف مساكن , في الجبال : فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا
سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى
آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) – طه .
" فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا
ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ
عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا
عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ
مُبِينٌ (22)- الأعراف .
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ
سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا
يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا
وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ
ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ
تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) – الأنعام .
علاوةً على اللغة ,بما يعنيه ذلك , من عقل
, وكلام , وتوصيف , بتسمية الأشياء بمسمياتها , إضافةً , إلى الأحكام : وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ
عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا
سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ
بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ
أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا
تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ
أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ
وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا
هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا
فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ
مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ
رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) – البقرة .
وأما نوح (ع) , فقد فتح للبشرية أفق ارتياد الماء بسفينته , فآرتادوا ,
من بعده , وعلى منواله الأنهار والمحيطات حتى صارت أساطيلاً لدى الفينيقيين , وأصبحت , من بعد , حاملات للطائرات , وتجوب
كجزرٍ متنقلة , البحار : " وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا
جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)
وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) – القمر .
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ
وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)- العنكبوت .
علاوةً على الشرائع , فقد بدأت بنوحٍ عليه
السلام : شَرَعَ
لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ
وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ
اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) – الشورى .
وهذا ابراهيم (ع) , سيعلم الإنسانيةَ المنطقَ بالعقلِ ,
ويثمر ذلك , مع الأيام , من بعد , حتى سقراط , وديكارت , ونتشه , علاوةً على
التجريب لدى بيكون :
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى
كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ
بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي
لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا
أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ
أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا
تَتَذَكَّرُونَ (80) – الأنعام .
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي
كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ
إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ
يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) – البقرة
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ
إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا
مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (258) – البقرة .
وهذا يوسف (ع) , فيما يتعلق بالتخزين ,
تخزين الغذاء , بإنقاذه الملايين من البشر الذين كانوا من قبل , يموتون في
المجاعات , مابين عصر , جيل , وعصر , وجيل , وآخر .
وبشأن داوود , فقد علمه :صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ
لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) – الأنبياء . أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي
السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) – سبأ.
ومن بعده سليمان , فقد أسال له عين القطر ,
وألهمه بناء السدود , علاوةً على العمل بالأسباب " السببية " : "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا
شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ
وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ
يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ
عَذَابِ السَّعِيرِ (12)
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ
كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ
مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا
دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ
أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) – سبأ.
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا
عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)
آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ
انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) – الكهف .
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ
وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)
فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ
وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا
ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا
(86) – الكهف .
إلى آخر , ما جاء في القرآن الكريم عنهم ,
وعن غير من ذكرنا من الأنبياء , وما تحقق على أيديهم وحياً إلهياً , ومازال العلم
محتاراً , يبحث في الآثار , عمن كان الأول , والأولى بالتحولات الحضارية .
وما أدراك مالعقبة :
وأما سيدنا محمد (ص) ,
وهو موضوعنا الآن , والغرض , من إنشاء هذه الورقة البحثية , في إطار التأملات ,
عبر آلية تفسير القرآن بالقرآن الكريم نفسه , وفي ضوء ما توفر لنا من معلومات ,
ورؤية , أثناء حديثنا عن الرِّق ( العبودية ) في الإسلام , ولقد , قبل الدخول في ذلك , آتى الله سبحانه
وتعالى القرآن لمحمد على صعيد الإعجاز كمعجزة , بما يعنيه من كونية , وشمول , ففيه
مقاليد العلم , لو تأملنا بالتدبر في آياته , فالنسبية مثلاً ,قائمة , بسورة أهل
الكهف , بقصتهم : وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ
إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ
عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ
وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ
فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا
وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ
بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ
مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا
بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ
قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ
هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ
بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ
يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا
(20)
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ
السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ
فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ
الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ
رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا
بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ
بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا
مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ
ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ
رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ
غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ
دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ
رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) – الكهف .
أَوْ كَالَّذِي
مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي
هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ
قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ
لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ
وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى
الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ
قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) – البقرة .
علاوةً على العشرات من آيات اللبث في الموت
, مع تطاول الزمان , بالمليارات من السنين , بما لايمكن معه الإحساس بالزمن , أو
الوعي به , فهو نسبي بآمتياز :
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ
الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ
الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) – الروم .
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ
يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ
يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) – الحج .
علاوةً على أن القرآن كان قد أشار إلى
الزمن الجيولوجي :
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ
اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) – الأعراف .
وإلى تجاوز الأقطار عبر الآلة الفضائية ,
أو ما عبر عنه بالسلطان : "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ
اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) – الرحمن .
ولأن القرآن الكريم , حقيقة , ووحي , بما
يعنيه من كتاب للوجود , فقد , في هذا السياق ,أشار إلى استحالة التجاوز اللامحدود
, بالتأكيد على محدودية التجاوز فقط , بقوله : يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ
وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) – الرحمن .
علاوةً على تأكيده هنا , على أن الإنسان
سيحاول التجاوز , وبما عناه العلماء الفيزيائيين , بالسنة الضوئية حساباً ,
وبآختراق حاجز الضوء , وهو امر محالٌ على الإنسان , حتى وإن كان قد آخترق حاجز
الصوت .
إضافة إلى أشياء , وأشياء , قدمها القرآن
للناس كافة , كمفاتيح لحل أسرار الكون , وما أمكن غدراجه ضمن علم التوافقات
القرآنية بالعلم الحديث , لا الغعجاز العلمي بالقرآن الكريم , كتسمية مرفوضة
منهجياً , لأنها تصادر حق الآخرين بموضوعة السبق , وما شابه ذلك .
نعم هناك , سبق , ولكنه ليس محكاً للإمتياز
, بقدر ماللبحث الطويل بالتأمل والتجربة , وهو ما دعانا القرآن الكريم إليه , ولم
نفعل .
كما أن المحك , هو هذه القدرة على منح
الإنسانية الكثير من الأفكار , والمفاتيح , وما كان , وسيظل سبيل القرآن الكريم
إلى الحياة .
نعود إلى الأساس من رسالة محمد عليه الصلاة
والسلام , وبغير ماسبق , ومالم نذكره هنا , وقد ضربنا مثلاً بهِ وحسب , داعين
القارئ الكريم , إلى ان يقيس على ذلك , فالعلم , كما قال علي عليه السلام : "
وانح هذا النحو " , لأبي الأسود الدؤلي , كآلية بالقياس والإستنباط للتحصيل .
نعود لنقولَ , أن سيدنا محمد (ص) كان قد قدم برسالته الخاتمة إنجازاً إنسانياً بما تحمله دعوته في مجملها
بعد توحيد الله , على صعيد الرَّق والعبودية , بإلغائه والتشطيب عليه تماماً ,
وإلى الابد , وبما كان يتضمنه , من جاهلية: " أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ
مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)- النور ."
’ " إِذْ
جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ
كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمًا (26) الفتح ,
مدنية .
, بنظام الإخوة في الإيمان : " إنما المؤمنون
إخوة – الحجرات .
وما بين قوله تعالى , في بداية الدعوة
القرآنية بمكة : " فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا
الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) – البلد , مكية .
وبين قوله تعالى , وقد نضجت الدعوة
القرآنية نفسها على صعيد الواقع الحي : وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ
اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ
أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ
يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) – النور , مدنية ,
يكون القرآن الكريم قد تدرج عملياً , في إلغاء العبودية رقاً , إلى
الأبد , لا لأنها تتصادم مع مبادئ الإسلام , كالعدالة فحسب , كما في قوله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي
الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى
بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ
وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ
فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي
الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)
– البقرة , مدنية .
, وفي قوله , على سبيل المساواة بالعدل :
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ
النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ
وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ
تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) – المائدة .
وفي قوله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا
قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ
عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) – المائدة .
وفي قوله تعالى :
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ
وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا
قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) – الأنعام .
وقوله سبحانه وتعالى :
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ
كَانَ ذَا قُرْبَى – فاطر .
وفي قوله تعالى على وجه الحرية , ووجوه أخرى :
" 1"
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ
الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) – البقرة .
" 2 "
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) – النحل .
وما إلى ذلك مما يندرج تحت مبادئ العدالة
والحرية والمساواة , في السور , ومن الآيات , بالقرآن الكريم , وإنما , بشأن العبودية رقاً , لأن الإسلام
كان بصدد , بعد التوحيد والشريعة بالأحكام في التنزيل وعند التأويل , إلغاء
العبودية , كأهم منجز تاريخي للإنسانية , فالعبد
بنظر الإسلام , هو من لا يجتب الطاغوت :
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ
دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ
هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ
وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ
فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا
وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ
يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ
اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) – الزمر , مكية .
ومن العدل, فإن الله لا يظلم العبيد:
وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ
لِلْعَبِيدِ (182) – آل عمران , مدنية .
وقد تدرج عبر ما يمكن أن تفصح عنه الآيات كالشمس
, فيما لا حاجة بنا للتوضيح :
1. وما أدراك
, مالعقبة , فك رقبة , بتسخير مال خديجة عليها السلام , في شراء العبيد بمكة , ممن
أسلم , من أوليائهم من المشركين , كبلال , وعمار , وصهيب , وغيرهم .
2. وفي
تزويج زينب عليها السلام بزيد بن حارثة ,
وقد كان عبداً , حتى طلقها : " فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا
زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ
أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ
مَفْعُولًا (37) – الأحزاب .
3. وفي
مؤاخاته بين المهاجرين والمهاجرين والأنصار
والمهاجرين في الآن نفسه بالمدينة , كبلال وعبيد بن الحارث , وحمزة وزيد بن حارثة
.
4. وفي إطلاق
الأسرى في ضوء قوله تعالى :
5. فَإِذا
لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ
فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ
الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ
وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) – محمد , مدنية .
6. وفي مكة ,
من خلال موقف خالد لرسول الله (ص) : اذهبوا , فانتم الطلقاء .
7. وعلى وجوه
العموم , ففي الكثير من سور القرآن ,كلما
سنحت فرصة لتحرير العبيد :
" ومن قتل مؤمنا
خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن .." , ".. إن كان من
قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم .." ,
".. نهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين
متتا .." , ".. ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد
فصيام ثلاثة أيام ذلك .." , "..
من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به .." , ".. قبة (11) وما أدراك ما
العقبة (12) فك رقبة (13) أو إطعام في يوم ذي مسغبة (14 .." .
8. وفي غير
ذلك , من صور العبودية رقاً , كان القرآن الكريم لكل عبودية بالمرصاد , كوأد البنات : " وإذا الموؤودة سئلت (8) بأي ذنب قتلت
(9) – التكوير .
,
وفي إدانته لمن يتحسس بالعار : " وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى
ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)
يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ
أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) – النحل .
, وفي منح المرأة حقها في الميراث , والمهر
, والرضاعة , والدية , وفي اختيار شريكها , وما إلى ذلك ,لايسع المقام هنا, لذكره
كله , مما كان رقاً , وعبودية في الجاهلية .
وفي مساواتها بالرجل كمؤمنة في الخطاب القرآني :
" 1 "
" إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ
وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ
وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ
وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ
مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) – الأحزاب ,
مدنية .
" 2"
وَلَوْلَا رِجَالٌ
مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ
فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي
رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)– الفتح , مدنية .
9. وعلى
الصعيد الكوني العام , فالناس سواسية , إذ لاعنصرية : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ
نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) – النساء .
,
أو كما قال النبي (ص) : الناس سواسية , كأسنان المشط .. , وكما قرر الإمام علي (ع)
بالنسبة للآخر من غير المسلمين : " إنما هو نظير لك في الخَلقِ , أو الخُلقِ
" ,وما أسسه عليه السلام من أحكام القتال بين المسلمين في ضوء القرآن الكريم
, وهو يقاتل على تأويله , كما قاتل من قبل , مع النبي (ص) على تنزيله , بقوله لهم
: " أينكح أحدكم أمه " بعد معركة الجمل , ومابعد الجمل , وإلى ان توفاه
الله شهيداً , بقوله " لا تمثلوا به , إنما هي ضربة بضربة " . أو كما
رأى عمر بن الخطاب (رض) : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا
" , وغيره .
الخلاصة :
بدأ الإسلام ,باعتباره
ككل يمثل الحرية , بالنسبة للعبودية رقاً , اول ما بدأ , بالدعوة لتحرير العبيد
مطلقاً , بقوله :
" فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) – البلد , مكية .
كنص حاسم , وقطعي , وتوجه
دائم لإلغاء الرِّق , وقد نجح متدرجاً , لواقعيته ,كما رأينا , حتى اكتمل بقوله : اليوم أكملت لكم دينكم ..
" , وتوفي على إثرها النبي (ص) , وبدأ عصر الخلافة , الذي سيلغي الشورى أولاً
, بالخلافة محاصصة مع غير قريش , ويحصرها
بقريش , وبذلك , ألغي مبدأ الشورى في الإسلام : وأمرهم شورى بينهم "
صدق الله العظيم , فترتب عن ذلك , الحرب الأولى تحت راية الردة بمنع الزكاة ,
وبسبي ذراري من
قاتلهم أبوبكر (رض) ,بالسيف المسلول خالد بن الوليد .
وبمنع فاطمة الزهراء
ثانياً , من حقها في" فدك " , كعودة بالتدريج إلى الجاهلية , وبإدلاء
الخلافة إلى عمر ثالثاً , عبر الوصاية , وبضربها في ستة من بعد عمر , ليخرج بها
عثمان بن عفان (رض) , ويبدأ من جديد , وبصوت مرتفع , عصر العصبية الجاهلية ,بكل
ماتعنيه الكلمة من معنى , وبدلاً من أن يتجه الإسلام نحو فك الرقاب , وتحرير
العالم , والدعوة إلى مبادئه في الحرية والعدالة والمساواة , يتجه نحو إثارة العصبيات , وتمجيد الإقطاع ,
والفتوحات من أجل الثراء والمال , والملك والسلطان , وببني أمية , ومن بعدهم بني
العباس , وإلى الإمتداد , يزدهر الإستبداد , وتتجلى شمس العبودية بالرق , وتفتح
الأبواب لعصور من ألف ليلة وليلة ,ويبدأ الفقهاء سواء الذين كانوا في السلطة
وللسلطة , أو الذين على المنابر وفي محاريب الجوامع , في التنظير من جديد , لملك
اليمين , وما أدراك ما ملك اليمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق