الرجل الصالح هو جبريل عليه
السلام
" حيثيات التفسير بما
ذهبنا إليه "
نقول بأن موسى عليه السلام كان قد التقى بجبريل
عليه السلام , في ظروف استثنائية , بعيداً عن الصدفة , فقد كان يعلم موسى بأنه
سيلتقي به , ذلك مانفهمه من قوله لفتاه
: قال ذلك ماكنا نبغ فارتدا على
آثارهما قصصا .
فلما التقى بجبريل المشار إليه على وجه الكناية
بالوصف , بقوله تعالى : عبدا من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلمناه من لدنا
علما , والكناية بالإشارة إلى الشخص عن طريق وصفه ,أسلوب قرآني بلاغي , باعتبار أن
التلميح أقوى من التصريح , تحقق في أكثر من موضع , بالقرآن الكريم نفسه , فهذا
سليمان هو نفسه الذي عنده علم من الكتاب , والحوار كان بين اثنين على وجه التحدي ,
فمرة ذكر باسمه ذاتاً , ومرة في السياق نفسه يذكره القرآن بصفته , أو بما عبر عنه بعنده
علم من الكتاب , أي الوحي , وفي مرة ثانية سيذكره بإنسابه للمكان على وجه التسمية
, بذي القرنين نسبة إلى الجبلين ,فالقرن لدى أهل اليمن هو الجبل , ويفصح عن شخصيته
بما أشار إليه تصريحاً مما مكنه الله في موضع آخر,بعين القطر, بقوله : آَتُونِي
زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا
حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) – الكهف . , وهو من قوله تعالى
في حق سليمان نفسه : وَلِسُلَيْمَانَ
الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ
الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ
يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) – سبأ .
ولقد ذكر الله رسوله بعبده ليلاً من المسجد
الحرام إلى المسجد الأقصى , وبقوله على لسانة : قال لصاحبه لاتحزن , وبالنبي ,
وبالذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون , وما إلى ذلك من الشواهد والأمثلة , كأصحاب
السبت , وفرعون ذي الأوتاد , بل إنه أشار إلى أقوام , مثل : أصحاب الأيكة لظالمين – بسورة الحجر .
وأصحاب الكهف , ومأجوج ومأجوج , وغيره , كثير في
القرآن الكريم , علاوةً على أن المعني بتعليم الأنبياء , وبالتواصل معهم هو جبريل
عليه السلام , إذ لايعقل أن يعلم نبياً نبياً آخر , حتى وهما على محمل رسالة واحدة
كما هو لدى موسى وهارون عليهما السلام , وحيث , أن الوقائع بالتجربة كانت خارقة للواقع
متجاوزة له بالغيب , بالإضافة , لدلالة " الضمير من خشينا ,فأردنا , التي تدل
على الأمر الإلهي بقتل الغلام لعلة الله بها أعلم , وقد أفصح جبريل عنها , وعن كل
ماحدث بقوله في آخر القصة : وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي .
ولأن أخيراً
,القتل لايليق بالأنبياء , فواقع مهمتهم يقول بأنهم ليسوا سوى مبشرين ومنذرين يوحى
إليهم " وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) – الأنعام .
وقد
اشترط عليه الآتـي :
“
الصبر بالطاعة , وعدم السؤال حتى
تقضى المهمة “
.
وفي ذلك , مايمكن أن يكون اتفاقاً بين المريد
والشيخ , المتعلم والعالم .
ولأن التجربة مفارقة للواقع , فقد حصل ماحصل ,
مما تفصح عنه الآيات التالية , من قوله تعالى :
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ
حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا
حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)فَلَمَّا
جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا
هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ
أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا
أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي
الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ
ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ
تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ
خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي
إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي
عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي
السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ
شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ
أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا
تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا
زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ
صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ
سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي
عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا
حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ
يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ
قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ
سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ
يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ
يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ
يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ
رُحْمًا (81) وَأَمَّا
الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ
كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا
أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ
عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) – الكهف
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق