د. عبدالسلام الكبسي
سليمان والعفريت من الجن :
نبوة الجن إكتسابية من البشر
الأنبياء , لأنهم أقل من الإنسان كوجود انطولوجي , والوسيط هو جبريل (ع).
لم يقابل سليمان الجن ولم يتحدث
مع الطير مباشرةً ..
من ما يمكن الإشارة إليه هنا , على وجه الجزم ,
أن سليمان بما وصفه الله به , من أن عنده علم من الكتاب , لا تعني التنويع فحسب بل
وترتبط بصورة مباشرة بالنبوة في علاقتها بالمعجزة كأمر ناقض للعادة , أو بما
نستطيع التعبير عنه اليوم , بأمر خارق للفيزياء , تتم بأمر الله جاريةً على يد
أنبيائه , على وجه التحدي , فإذا كان أقواهم قد انبرى بقوته للإتيان بالعرش , قبل
أن يقوم سليمان من مقامه , الذي قد يستغرق 7 ساعات مثلاً , وهو تعبير عن مقياس
زمني في وقته , فإن سليمان تحداه بأنه سيأتي به قبل أن يرتد إليك طرفك , أي تواً ,
فكان أمراً مقضياً بكن فيكون , للتدليل على القدرة الإلهية , ولإحتساب ذلك كمعجزة
لسليمان عليه السلام , والحوار بطبيعة الحال , لم يكن بين سليمان والعفريت مباشرة
, بل عبر الوسيط وهو جبريل عليه السلام لإعتبار الفارق الوجودي الإنطلوجي بين
المخلوقات من إنس وجن , وحيوانات وطيور , وغيره
, وينسحب الكلام كحكم على الهدهد , والطير وما كان قد ذكره القرآن الكريم
بشأن سليمان وبقية المخلوقات كالنمل بواد النمل , فجبريل هو الوسيط , ولذلك ,
وبدليل قوله تعالى : ففهمناها سليمان , في قوله تعالى :
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ
غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا
وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا
فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ
صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ
شَاكِرُونَ (80)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) –
الأنبياء .
فالوسيط قائم ,بجبريل , ولا مجال لسليمان , في أن
يواجه بالرؤية , والحديث , مع أي أحد من الجن , والطير والنمل , ومما يفهم من قوله
تعالى :
"
وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ
دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ
وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ
جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى
وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ
لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ
قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ
عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي
بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ
الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ
عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ
فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) – النمل .
وما قلناه , على سليمان ينسحب على داوود , وعلى
بقية الأنبياء , فيما له علاقة بالخوارق , كمعجزات , وقد حصل أن اثبتنا أن رسول
الله (ص) لم يقابل الجن , ولم يعلم بوجودهم , وإنما هم استمعوا اليه وأنصتوا له ,
عبر الوسيط جبريل , كوسيط بين عالمين مختلفين , وغير متجانسين لا في الوجود , ولا
في الشكل , الأمر الذي معه , نقول أن الله سبحانه وتعالى : يرسل الوحي على
الأنبياء من البشر , ويرسل الجن إلى البشر ليسمعوا الرسالة , عبر الوحي جبريل نفسه , كوسيط , وينصرفوا , وقد
اكتسبوا الرسالة , كأنبياء , إلى أقوامهم . وعليه , ومن هنا , نستطيع الجزم بفهم
قوله تعالى : " وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا
مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا
فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا
كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي
إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ
وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ
أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ
دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ
أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) – الأحقاف .
على ما سبق ,و أن الله لايرسل رسالتين في وقت
واحد , بل رسالة إلى البشر , ومن البشر , عبر جبريل كوسيط يكتسب الجن رسالتهم
كأنبياء ممن اختاره الله وصرفه ليستمع عبر جبريل بالفهم لا باللغة كما هي شكل
ومحتوى , بإعتبارهم أدنى منزلة في الوجود من الإنسان الذي حمله الأمانة بالعقل ,
بقوله : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا
الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) –
الأحزاب .
ضمن هذا الإطار نفهم قوله تعالى : يَا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ
عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا
شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا
عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)-
الأنعام .
ونفهم حين , يقول تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ
رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ
تَعْلَمُونَ، وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا
كَانُوا خَالِدِينَ – الأنبياء .
وعليه , نقول , فإن ما يجري على النبي من الجن
المكتسب رسالته من الإنس , ما للنبي البشري , فيما يتعلق بالأحكام , والشرائع ,
واللسان , والعداوة ,وذلك على التوالي:
في قوله تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا
مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن
يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ – إبراهيم .
وفي قوله تعالى : " كَذَلِكَ
جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ
هَادِياً وَنَصِيراً - الفرقان.
وفي قوله تعالى : " وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا
فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ -الأنعام .
بهذا
, وبغيرهذا الفهم , لايمكن لنا أن نفهم القرآن الكريم ككتاب سماوي , يخاطب العقل ,
وينير بالحقائق , لا الخرافات , العقول .
وأما
عن ابليس , فهو المقصود بقوله تعالى على لسان الجن : " وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) – الجن .
فهو
منهم , ويقول الله بشأن ذلك : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا
إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ
بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) الكهف .
وعلاقته
احتكاكاً بالأنس , عن طريق الوسوسة : " فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا
وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ
هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ
(20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي
لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) – الأعراف.
النص القرآني الخاص بسليمان
والعفريت :
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ
بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ
بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا
وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ
يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ
بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ
عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ
طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي
لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ
لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ
أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ
قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا
مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا
مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ
(43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي
الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ
إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) – سورة النمل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق