الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

الجن و الإنس في القرآن الكريم د.عبدالسلام الكبسي



 

اقرأوا

موضوعة الجن وعلاقتهم بالإنس

كلمة الشيطان في القرآن تعني : ابليس , كما إنها تعني الشر في كل الأحوال كالعقوق والكفر والفسق والمرض والنسيان .. إلى آخره , ومعنى قوله تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " , معناه النسيان .

 

 

" 1 "

 

 

لا يتلبس الجن بالإنس ولا الإنس بالجن , ولم يحدث أن تكلم الجن مع رسول الله (ص) ,ولا حتى مع سليمان في غير وجود جبريل كوسيط للإخبار بين عالم الجن والإنس, حتى لا يدعي فلان بالتلبس ,ذلك ما نفهمه من " لو " التي ترد هنا , للاستحالة في قوله تعالى : " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا " , صدق الله العظيم .

وقد وردت : " لو " , بالقرآن الكريم في عدد من المواضع بمدلول الإستحالة من الوقوع :

1.  " أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين " , الزمر .

 

2.  وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ " , البقرة .

 

3.  " وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) " , الأنعام .

 

4. " ولَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) " , الأنعام .

إلى آخره , وذلك بشكل عام .

وعن إبليس فهو من الجن كما قال الله عز وجل : " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) " , الكهف .

وعلاقته ببني آدم , علاوة على اتصاله بهم , محدد بالرؤية التي تعني العلم بوجود الشيء يقول تعالى :

" يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) , الأعراف .

و التي تعني من جهة ثانية , الوسوسة : يقول تعالى : " وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) , الأعراف .

ويقول تعالى : " فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) , طه .

 التي تعني حسب الإمام الهادي يحى بن الحسين " المجاورة " وقد ضرب مثلاً لذلك على وجه التقريب بالتزيين : " يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " , وكما تضيف حطباً إلى نار هي موجودة في الأصل لتقويتها وحسبُ .

والوسوسة من وجهة نظرنا هي عبارة عن سيل من الخواطر السلبية , مصدرها النفس الأمارة با لسوء . تعتري الإنسان في لحظات من انحطاط القوى العقلية بالضعف فيتورط في عمل سيء يندم فيما بعد من القيام به , وقد لا يندم إن كان قد مات ضميره : " النفس اللوامة " .

فإذا قال الله تعالى : " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين " , فإن المعنى : النفس الأمارة . يقول القرآن : " وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي " , صدق الله العظيم .

ويقول تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) , ق .

كما يقول تعال : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) , الناس .

في هذا السياق , فالنفس اللوامة , في قوله تعالى : "ولا أقسم بالنفس اللوامة " ,  فهي الضمير الحي .وهناك بالقرآن نفسه مايسمى بالنفس المطمئنة في قوله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية .. " , فهي المؤمنة بشكل مطلق .

 

 

" 3 "

عموماً , نقول أن كل شر بالعقوق والكفر والنسيان والفسق , والمرض .. إلى آخره , يقال له في القرآن : شيطان , وذلك على نحو طردي , فمثلاً : " يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا " , ولمن أراد التوسع بالاستقراء ,فليتابع السياقات القرآنية المتعلقة ب" الشيطان " , ومطيته النفس الأمارة بالسوء , ولذلك قيل أن الإنسان خالق أفعاله , وعليه فمن العدل  قوله تعالى : " كل نفس بما كسبت رهينة " , صدق الله العظيم .

وقوله تعالى : " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) " , صدق الله العظيم .

" 4 "

فإذا قال الله تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ " , صدق الله العظيم .

فالمعنى هنا : النسيان . في هذا السياق , يقول الله تعالى : " فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا " , صدق الله العظيم .

وبالنسبة للمرض , فيقول تعالى : " وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ " , ويقول تعالى على نحو التشبيه :" الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ " , صدق الله العظيم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق