الخميس، 2 أكتوبر 2014

قصص قصيرة : الحبة السوداء لعبدالسلام الكبسي







قصص قصيرة :
المكان : الحي الجامعي الدولي بالرباط / المغرب .
الزمان : 1995 .

 

الحـبة السـوداء

 

نخرج في الصباح الباكر كما العصافير ، ثم نعود زوالاً، بحمولة من العناء. الرمل الأحمر العالق بالأحذية .قطرات العرق الساخنة، انحسار ملامح الحيوية من على الوجوه. الإحساس بالجوع، بالمزيد من الجوع. يزداد الجوع كلما تسربت روائح الأطعمة أكثر وأكثر, وانتشرت كالسحر في الممرات المؤدية من ,وإلى  الغرف.

- "هؤلاء الأفارقة لا يحسنون سوى تصعيد رائحة الطبيخ".

يكتفي هؤلاء بالرائحة. الرائحة التي ترحل من دغل إلى دغل. تستفزني رائحة السمك المحترق . تستفزني كاستفزاز "ريم" للمجري بضحكتها أو صهيلها سيان.  ضحكة ريم تبدد الصمت . تقذفه من على الأسوار . تعلن عن بداية انتشار الملل. الملل الذي يجلدني بدءاً من الساعة الخامسة , من بعد العصر حتى الثامنة مساء.  عند هذا السقف من الزمن، يصادف أن يبث الراديو نوعاً من موسيقى ال: Reggea :" Don’t wory be happy  " .صوت المؤذن غائم كهنهنتي، اختلاط أفكاري , تضارب الأصوات , ثمة أصوات نسائية تنادي : " تشنك ، تشنك " , " فاروق، فاروق " , " السر .. السر " , "برناردو، برناردو". كل هاته الجعجعة تستفزني . أرفع صوت الراديو.. "لا جدوى من التمطيط , لا جدوى حتى من صوت الراديو", أقول في سري . أثناء ذلك, يكون عبد الواسع قد تسلل إلى غرفتي.

-       بوم ، فخ.

-       تباً لك , أيها السنجاب. من أين أتيت ؟ وما هذا الذي تحمله ؟

طعم البسكويت لذيذ، ألذ من طعمه , هو غمس مربعاته الهشة في كوب الشاي الساخن :

-       هاه .. ، ما الذي سترتكبه هذه الليلة من حماقات؟

-       ولما ذا تسميها حماقات؟

-       أقترح لها , تسمية بديلة , إن لم تكن كذلك . دعابات مثلاً.

-       ها ها ها .

تبدأ الدعابة مع الثانية عشرة ليلاً . وضع بيضة ,مكتوب عليها (شمهروش) , وبعض الخطوط المشابهة لتلك الموجودة في كتب عبد الفتاح الطوخي , يكفي لإثارة ظنون ,ووساوس عبد الملك الجزائري السوداء بجيرانه.

-       هؤلاء الملاعين ، ما الذي يريدونه مني , يقول عبدالملك ؟

يشترك معنا ,شريكي بالغرفة " وحيد الجزائري , في اللعبة . يقترح ، هذه المرة، الحبة السوداء. نعم , الحبة السوداء التي يؤمن بفاعليتها القاضي عادل , في القضاء على الأمراض الخطيرة كالإيدز والسرطان.  جربتها مرتين , تقيأت في المرة الأولى , وفي الثانية ,فكرت في أن أنزل ضرباً بالقاضي وأطرحه أرضاً . أدوس على بطنه ,مقابل نصيحته الثمينة.

هدفنا هذه الليلة الغرفة 102 من الطابق الثاني،و الغرفة 402 من الطابق الرابع، والغرفة 605 من الطابق الأول. نتوزع المهام. خيط من الحبة السوداء ,كقافلة كثيفة من النمل الأسود بموازاة الباب ,كفيل بإثارة الريبة والتوجس . طرق الباب آخر المطاف .إطلاق العنان للسيقان المقهقهة. تفتح الغرف أفواهها ..

-       اللعنة ..

-       من يمازحنا ، بل من يؤرق مضاجعنا؟

-       إ نهم، بلا شك , الجن.

-       ماذا تقول, أيها الأحمق ؟

-       الجن.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قل أعوذ برب الناس/ الفلق... ومن شر حاسد إذا حسد .

نختبئ في غرفة عبد الواسع. كالسكارى نضحك ,ونضحك.

نعوذ بالله .. اللهم قنا شر الضحك. صباح اليوم الثاني ننتظر ثمار ,ما زرعناه .عبد الملك قالوا, إنه قد اعتزل الناس للعبادة والاستغفار. أما السرالسوداني , فلا يزال يشير بأصبع الإتهام إلى جاره المجري. أما محمد:

-       إنها الكاميرونية " سولنج " . لقد أرسلت أحدهم ليضع ببابي الحبة السوداء .تريد أن تسحرني.

-       هل تصدق هذا الكلام يا وحيد؟

-       ربما ، الله يستر...

-       صدقاني ، لقد وضعت سبعة وثلاثين من الحبة السوداء ,بعدد سني عمري..

وأثناء ما كان محمد يحدثنا محللاً, مسألة السحر التي لا شك , فيها, كانت " سولنج "  قد ظهرت كالشمس السوداء ,من بعيد, بلباس أبيض، أضاف إلى لونها بعض البهجة والسعادة . محمد ,كان فاغر الفم ، منذهلاً:  إنها هي , قال.

اقتربت منا ,شيئاً فشيئاً . إبتسمت : " Bongour , Bongour , Bongour ".

عند منتصف الليل تنضب الحركة بالممرات. يتملل الحراس على الأبواب . تتثاءب الغرف . الدردشة داخلها , ترسل ذبذبات, كأنك تدير قرص الراديو. ثمة حركة سريعة.  وقع أقدام هاربة .  صدى يوشوش " سولنج ". يا لها ، حقاً، من جنية سوداء.

( صحيفة 26 سبتمبر ,العدد 666 , 31 أغسطس 1995 ).

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق