الخميس، 2 أكتوبر 2014

قصص قصيرة : ضحكة ديناصورية لعبدالسلام الكبسي





قصص قصيرة :
 
المكان : الحي الجامعي الدولي بالرباط / المغرب .
الزمان : 1995 .

 

ضحكة ديناصورية

 

أبحث عني، بعيداً، في المتاه.., ذلك هو كل ما أفعله ,منذ جئت إلى المغرب. لقد ازداد وزني ,وارتبع تبعاً لذلك, وجهي. إنني حقاً , كسول جداً، خصوصاً، عندما أقارنني بهؤلاء الطلبة البائسين الذين يرتادون خزانة البحث. تعرفهم من خلال أكفهرار سحناتهم، تقبض وجوههم لا أدري حقاً. غرفتي " 8 ".. بالحي الجامعي الدولي، جزء من الطابق الأرضي. تتمتع بموقع استراتيجي باستشرافها على الحديقة الجميلة المضاءة. لكني أدفع مقابل ذلك ضريبة ما, كأن تتسلل الرطوبة إلى ظهري، والبعوض المهاجمة, لولا تدخل "وحيد الجزائري" شريكي في الغرفة , الذي  كثيراً ما يستيقظ متضجراً ,فربما اختبأ منهم صعلوك , أو اثنان.. ربما بين الكتب ,أو داخل أشرطة الكاسيت ,  أو ضمن بقايا الأوراق , أو تحت الصحون المتناثرة هنا وهناك .. وربما تسربت  خلال جهاز الراديو المكسور.

مررت بأحمد الذي كان متكأ على الحائط , حين كان المؤذن الغامبي ينادي للصلاة :

-       كأننا في يثرب ,وكأنه , بلال بن رباح.

-       هاهاها .. استغفر الله..

لون المؤذن . طريقة النداء البدائية . دبيب الطلبة . ذهاب وإياب الحراس..,إلخ. طقس بلال بن رباح يتاخمني .الصحابة يعيشون بيننا . لكني، إلى حد الآن، لم أجد علياً بن أبي طالب بعد. ذلك المقرفص يشبه إلى حد بعيد , أبا هريرة. أرى هرة , واحدة , ووحيدة تلعب هناك , بعيداً.

"ينقص الحي الجامعي، عفواً أقصد ينقص يثرب النبي.." – قلت لنفسي. ومضيت أخفي قهقهتي..

أغلب الوقت أحادثهم بلغة الهمداني. ذلك المجري التافه، أسماه أبواه " أوتيلا " ,وأسميته أنا ," سندباد" .. إنه مضحك حين يدعي الإلحاد .. إنه ملحد حتى يماركس..

"لقد مللت من نفسي، من الحي ,ومن مَنْ في الحي" . لعبتي المفضلة , لأبدد الملل , حياكة بعض المقالب التافهة . كثيراً ما أغافل احمد ,وأغلق الغرفة على  أحمد  الذي يضرب أخماساً في أسداس , كأنه بدوياً , أضاع شاته العجوز, أو فقد بعض إبله الجائعات . أتركه في حيرته أحياناً، وأتعاطف معه أحياناً أخر, فأساعده, في البحث عن الفاعل :

-       هذا الفاعل اللعين يستحق العقاب، المقاطعة.

-       إنه، بلا شك , عبد الواسع.

كثيراً ما يشترك عبدالواسع معي في ممارسة اللعبة . ينفرد أحياناً , ببطولة مقلب جديد : كأن يضع القمامة أمام غرفة الأردني "علي" . لكنه لا يفكر , أن يخبر رفائيل النيجيري , مثل ما فعلت , بأن زوجة أحمد التي لم تمت , إذ لم يتزوج بعد , ماتت البارحة :

-       يجب أن تواسي صاحبك في كارثته.

-       لكنه لا يفهمني , لايتكلم الفرنسية ولا الإنجليزية .

-       تصرف,  فكر في طريقة ,مثل أن تربت على كتفيه.

يهرع احمد إلىَّ  فزعاً. يخبرني بأنه كثيراً ,ما يستريب من تصرفات جاره الأفريقي :

-       إحذر منه، أنصحك , أن تنام الليل كالذئب : عين لك مفتوحة ,وعين عليك.

أستدير , منساباً في قهقهة مليئة بالإثارة , وخائفة.تتطور لعبتنا . تمتد ,فتمس الأصدقاء الساكنين خارج الحي الجامعي . لقد أرسلنا نبيل أو (باخوس) , ببيان ,ندعوهم فيه للهجرة إلى يثرب وإلا... ضحك نبيل، أقصد ضحك باخوس المخمور. ملامح وجهه جامدة كغلاف نحاسي . يشبه في تجمده وإنمحاء تعابيره التماثيل المنصوبة في ميادين روما، كما أن أسنانه برونزية. ضحك ثم ضحك.. ضحكته تنقلنا عشرات الآلاف من السنين إلى الوراء.. "إنها فعلاً , ضحكة ديناصورية ".
 

( صحيفة القدس العربية ,السنة السابعة العدد 1957 ,23 أغسطس 1995 ).

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق