الخميس، 20 ديسمبر 2012

عبدالله البردوني , ملاحظات , د. عبدالسلام الكبسي




ملاحظات على وجه الإشارات , على شعر البردوني :

تلبية لتعليقات بعض القراء , مطالبتهم لي بالتمثيل على ما قلته ,

 في تجربة البردوني , بالنماذج الشعرية له , ولمن تأثر بهم في بداياته , أو نسج على منوال قصائدهم عند نضوجه , متأثراً بإيقاعاتهم بوعي منه , واقتدار :

" 1 "

بدأ شاعراً تقليدياً ,بمعارضته لقصائد بعينها على وجه الإجترار , ثم استعار إيقاع بعض القصائد القديمة , مثل : قصيدة الكميت البائية , التي سنعثر عليها لدى علي بن الفضل , فعبدالله البردوني , وذلك على الوجه التالي , حيث يقول مطلع قصيدة الكميت بن زيد الأسدي :

طربت وهل بك من مطرب ----  ولم تتصاب ولم تلعبِ

, ويقول علي بن الفضل من القصيدة المنسوبة إليه :

خذي الدفّ يا هذه واضربي --- وغنّي هزارك ثم اطربي
تولـّـى نبيّ بني هاشــم ---  وجاء نبي بني يعرب
احـلّ البنات مع الأمهـات ---  ومن فضله زاد حلّ الصبيّ
لكل نبيّ مضى شرعــه --- وهذي شريعة هذا النبيّ
فقد حط عنا فروض الصلاة --- وحط الصيام ولم يتعب

ويقول عبدالله البردوني في قصيدته " ذات يوم " :

 

أفقنا على فجر يوم صبي
فيا ضحوات المنى إطربي
***
أتدرين ، يا شمس ماذا جرى ؟
سلبنا الدجى فجرنا المختبي !
وكان النعاس على مقلتيك
يوسوس ، كالطائر الأزغب
أتدرين ، ؟أنا سبقنا الربيع
نبشّر بالموسم الطيب ؟
وماذا ؟ : سؤال على حاجيك
تزنبق في همسك المذهب !
وسرنا حشودا تطير الدروب
بأفواج ميلادنا الأنجب
وشعبا يدوّي ك هي المعجزات
مهودي ، وسيف ((المثنّى)) أبي
غربت زمانا غروب النهار
وعدت ، يقود الضحى موكبي

 

, وأما قصيدة " مصطفى " للبردوني نفسه :

فسنتعرف عليها من خلال قصيدة لابن عربي بعنوان " الصاد حرف شريف ",  في الفتوحات المكية , حيث يقول :

الصاد
حرف
شريف
***
والصاد
في
الصاد
أصدق
لأنها
شكل
دور
***
وما
من
الدور
أسبق
الصاد
حرف
شريف
***
والصاد
في
الصاد
أصدق
قل
ما
الدليل
أجده
***
في
داخل
القلب
ملصق
لأنها
شكل
دور
***
وما
من
الدور
أسبق
ودلّ
هذا
بأني
***
على
الطريق
موفق
حققت
في
الله
قصدي
***
والحق
يقصد
بالحق
إن
كان
في
البحر
عمق
***
فساحل
القلب
أعمق
إن
ضاق
قلبك
عني
***
فقلب
غيرك
أضيق
دع
القرونة
واقبل
***
من
صادق
يتصدق
ولا
تخالف
فتشقى
***
فالقلب
عندي
معلق
أفتحه
أشرحه
وافعل
***
فعل
الذي
قد
تحقق
إلى
متى
قاسى
القل
***
ب
باب
قلبك
مغلق
وفعل
غيرك
صاف
***
ووجه
فعلك
أزرق
إنا
رفقنا
فرفقا
***
فالرق
في
الرفق
أرفق
 
 
 
 
 

 

ليقول البردوني على الايقاع من قصيدة ابن عربي نفسه :

فليقصفوا، لست مقصف --- وليعنفوا، أنت أعنف
وليحشدوا، أنت تدري --- أن المخيفين أخوف
أغنى، ولكن أشقى --- أوهى، ولكن أجلف
أبدى ولكن أخفى --- أخزى ولكن أصلف
لهم حديد ونار ---  وهم من القش أضعف

" 2 "

علاوةً على تأثره في قصيدته " نار وقلب " ,  بقصيدة "  أقبلي كالصلاة " للشاعر المصري محمود حسن اسماعيل , على وجه الانتحال لبعض أبياتها , على النحو الآتي , حيث يقول محمود اسماعيل , منها :

أقبلي كالصلاة

أقبلي كالصلاة رقرقها النسك
بمحراب عابد متبتل
أقبلي أية من الله علينا
زفها للوجود وحيُ مُنزَل
أقبلي فالجراح ظمأى
وكأس الحب ثكلى
والشعر ناي معطل
أنت لحنُ على فمي عبقري
وأنا في حدائق الله بلبل
أقبلي قبل أن تميل بنا الريح
ويهوي بنا الفناء المعجل
زورقي في الوجود حيران
شاك ، مثقل بالأسى شريد مضللْ

, ليقول عبدالله البردوني , بما يعيب بدايات أي شاعر كبير إذ كان من المفترض أن يسقط ما كان صدى لأصوات الآخرين مما قرأ لهم , ونظم تحت تأثير من سطوة اشعارهم :

يـا ابـنة الحسن و الجمال المدلّل  --- أنـت أحـلى من الجمال و أجمل
و كــأنّ الـحياة فـيك ابـتسام --- و كــأنّ الـخـلود فـيك مـمثّل
كـلّ حـرف من لفظك الحلو فردو ---  س نــديّ و سـلسبيل مـسلسل
كـلّما قـلت رفّ مـن فمك الفجر ---  و غـنّى الربيع بالعطر و اخضلّ
أنــت فـجر مـعطّر و ربـيع --- و أنـا الـبلبل الـكئيب الـمبلبل
أنـت فـي كلّ نابض من عروقي ---- وتــر عـاشق و لـحن مـرتّل

وهناك , غير ذلك , مما كان رافداً في تجربة الشاعر البردوني , ومؤثراً فيها , فالشاعر يتدرج متقلباً في أصلاب الشعراء , حتى يولد خارجاً كبيراً , باكتمال استقلالاً , ببصمته الشخصية , إيقاع ذاته هو , لا ذوات الآخرين .

" 4 "

وأخيراً , بالعثور على إيقاعه الشخصي بدءاً , بديوانه : مدينة الغد " , سنة , 1970 , وبالديوان نفسه , وما تلاه من مجاميع شعرية سينظر إليه كشاعر كبير , يغري إيقاعه الشعراء الناشئين إعجاباً , فيقعون في شباكه حتى منه , لا فكاك  .

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق