السبت، 8 ديسمبر 2012

زيد بن علي عليه السلام - سيرة ذاتية - للدكتور عبدالسلام الكبسي





ملخص سيرة
الإمام زيد بن علي عليهما السلام
الإمام زيد بن علي (ع):

 

 " 1 "
إمام الجهاد والإجتهاد زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام . قتل في معركة فاصلةٍ ضد الجيش الأموي بقيادة يوسف بن عمر الثقفي , الذي كان والياً على العراق
وخرسان بأمر من الملك الأموي هشام بن عبدالملك , ودفن سراً من قبل ولده يحى بن زيد ونفر ممن بقي من أصحابه رضوان الله عليهم , ونبش قبره , وصُلب عارياً , بالكناسة , من غير لحاف, حتى حلّت فاطمة بني سلامة خمارها عن رأسها , فسترت عورته , وهم ينظرون .
فمضى الجلاوزة , إلى الوالي يوسف بن عمر الثقفي , وكان يسلك سبيل الحجاج في اخذ الأمور بالعنف والشدة , وكغيره من الجبابرة , فأخبروه , فقال : امضوا , فآحرقوه , فإذا صار رماداً , فآذروه في الفرات .
ولد زيد بن علي عليهما السلام في سنة 80 هجرية , واستشهد في ميدان الحرية ضد الأمويين سنة 122هجرية , وكان عمره يوم مقتله لاتتجاوز الثانية والأربعين .
" 2 "
ترعرع في ظل أبيه الإمام علي زين العابدين بن الحسين , مَنْ تلخصُ قصيدة الفرزدق الميمية الشهيرة مكارمه , بالإشارة القوية إلى عظمته , وحب الناس وإجلالهم له , حتى إنه كان إذا سار في مزدحم أفسح الناس له الطريق , فتأذى الأمويون , فهذا هشام بن عبدالملك حج قبل أن يتولى الخلافة , فطاف بالبيت , فلما أراد أن يستلم الحجر لم يتمكن , واهل الشام حوله , وبينما هو كذلك , إذ أقبل علي علي بن الحسين , فلما دنا من الحجر ليستلم تنحى عنه الناس إجلالاً له , وهيبةً واحتراماً , فقال هشام : " مَنْ هذا " , استنقاصاً له , وكان الشاعر الفرزدق حاضراً . فقال : انا اعرفه , فقال هشام : " من هو ؟ " , فأنشد الشاعر مرتجلاً :
هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأته - - والبيتُ يعرفهُ والحلُّ والحرمُ
إلى آخر القصيدة .
وقد نزل الاذى بالفرزدق بسبب هذه القصيدة , هحبسه هشام بن عبدالملك امداً بعسفان , وهو مكان بين مكة والمدينة , فأرسل إليه علي بن الحسين (ع) بإثنى عشر ألف درهم , فلم يقبلها , وقال : " غنما قلت لله عز وجل , ونصرةً للحقِ , وقياماً بحق رسول الله (ص) في ذريته , ولستُ أعتاض عن ذلك بشيء , فأرسل إليه : " قد علم الله صدق نيتك في ذلك , وأقسمت عليك بالله لتقبلنها " , فتقبلها منه .
"3"
تتلمذ على يد والده علي بن الحسين , بحفظ القرآن , والحديث ,والفقه , يتلقاه , عن أبيه , وعن أخيه محمد الباقر , فآتسع علمه , ومعرفته , فصار يجتهد برأيه .
توفي عنه والده , وعمره لم يتجاوز الرابعة عشرة . ذهب إلى البصرة , والتقى بعلمائها , أمثال واصل بن عطاء , فتذاكر معه في الاصول , علاوةً على لقائه ببقية الطوائف كالمعتزلة , وفيها القدرية , وفيها الجهمية , وفيها كل الذين تكلموا في صفات الذات العلمية , فقد كانت سنهما متقاربة , ورأيهما متباعدة بشأن علي (ع) في حربه مع أم المؤمنين عائشة , ومع معاوية . علاوةً على لقائه
ببقية الطوائف كالمعتزلة , وفيها القدرية , وفيها الجهمية , وفيها كل الذين تكلوا في صفات الذات العلية . وقد كان زيدبن علي من قبل قد تلقى عقيدة الإعتزال عن آل البيت , أمثال: محمد بن علي بن أبي طالب ( ابن الحنفية ) , الذي قال فيه الشهرستاني , في الملل والنحل : " كان كثير العلم غزير المعرفة , وقاد الفكر , مصيب الخواطر , قد أخبره أمير المؤمنين علي (ع) عن أحوال الملاحم , وأطلعه على مدارج المعالم , قد اختار العزلة ,وآثر الخمول على الشهرة ". , وأمثال علي زين العابدين , وابنه الباقر , والحسن والحسين من قبلهما , ومحمد بن الحنفية أخوهما .
احتك بالخلاف , مع هشام بن عبدالملك في مجلس هذا الأخير بدمشق , وأفحمه , عندما بدأ هشام بالتنقيص من قدر زيد بن علي (ع) وآبائه ,فقال هشام أخرج , فقال زيد : اخرج , ثم لا أكون إلا بحيث تكره .
خرج زيد في سنة 121هجرية , وكان مقتله سنة 122هجرية , بذهابه إلى الكوفة , فاختلفت إليه الشيعة تبايعه ,وكانت صيغة بيعته : " إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه (ص) , وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين , وإعطاء المحرومين , وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء , ورد المظالم , ونصر أهل الحق , أتبايعون على ذاك " , أما القسم , فكان " عليك عهد الله وميثاقه , وذمته وذمة رسوله (ص) لنقينَّ ببيعتي , ولتقاتلن عدوي , ولتنصحن لي في السر والعلانية " , فإذا قال المبيع : " نعم " , مسح يده على يده , وقال اللهم اشهد " .
وقد بايعه على ذلك , خمسة عشر ألفاً , وقيل أربعون ألفاً , ولما أخذ زيد البيعة وابتدأ يعد للمعركة , وسار فيها بضعة عشر شهراً , يدعو الناس إلى بيعته على النحو الذي أسلفنا , واتفق مع زعماء أصحابه على أن يكون خروجه في مستهل صفر سنة 122هجرية . ولما اقترب الموعد حتى أخذ بعض أتباعه الذين بايعوه في النقاش والجدل , فسألوه في أبي بكر وعمر , فقال فيهما خيراً , وإن استأثرا علينا بهذا الأمر , ودفعونا عنه , ولم يبلغ عندنا كفراً .
وقد ولوا وعدلوا , وعملوا بالكتاب والسنة , قالوا : فلمَ تقاتل هؤلاء , إذن ؟ فقال : إن هؤلاء ليسوا كأولئك , إن هؤلاء ظلموا الناس , وظلموا أنفسهم , وإني أدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه , وإحياء السنن , وإماتة البدع , فإن تسمعوا يكن خيراً لكم ولي , وإن تأبوا فلستُ عليكم بوكيل , فرفضوه , وانصرفوا , وانقضوا بيعته .
كان هذا الخلاف , وقد تأهب العدو , وأخذ يهاجم زيداً وأتباعهم , فآضطر إلى المقاتلة قبل الميعاد الذي قدره بشهر , ودعا أتباعه بشعاره : " يا منصور أمت أمت " , وهو نفسه , الشعار الذي رفعه المسلمون بغزوة أحد , تحت راية الإمام علي (ع) , في وجود رسول الله (ص) , فلم يستجب زيداً إلى دعوته إلا 218 مائتان وثمانية عشر رجلاً ,عداً وإحصاءً , وقد كانوا من قبل خمسة عشر ألفاً , فنادى في الباقين الذين ضعفوا ونكثوا في أيمانهم : اخرجوا ,من الذل إلى العز , اخرجوا إلى الدين والدنيا , فإنكم ,لستم في ديم ولا دنيا " .

ولما رآهم لا يستجيبوا . قال : أنا أخاف أن يكونوا قد فعلوها حسينية , أما والله لأقاتلن حتى أموت " , وتقدم إلى الميدان , ومعه عدد قليل , ليواجه الجيش الكثيف لهشام بن عبدالملك , فقاتل ومن معه ببسالة منقطعة النظير , واستطاع أن يهزم الجيش الأموي الذي سيضطر إلى الإستعانة بالرمي , فنالوا من زيدٍ وأصحابه , كما نالوا من جده الحسين بالطريقة نفسها , ونال زيداً سهم في جبهته , فقتل.
وحتى لا يمثّل هشام بن عبدالملك بجثته , كما مثّل من قبل , يزيد بن معاوية بجسد الحسين (ع) ,حرص ابنه يحى بن زيد على أن يدفن أباه بحيث لا يعلم بموضعه أحد , فدفنه في ساقية , وردمها , ووضع عليها النبات لكيلا يعلم أحد بمكان جثمانه الطاهر , حتى وشى أحدهم , فنبش الأمويون قبره , وأخرجوا جثمانه , ومثلوا بهِ , ونصبوه بكناسة الكوفة بأمر من هشام بن عبدالملك .
من المهم هنا , الإشارة ضمن هذا السياق إلى أن الحرب من جانب الأمويين كانت حرباً فاجره , ليس فيها من القيم , قيم الإسلام , والرجال , فإنه ليذكر أن رجلاً من جند الأمويين على فرس رائع أخذ يشتم فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) شتماً قبيحاً , فبكى الإمام زيد حتى ابتلت لحيته , وجعل يقول : " أما أحد يغضب لفاطمة بنت رسول الله (ص) ,فاستتر أحد رجال زيد , وسار وراءه وقتله , فكبر أصحاب زيد (ع) , ثأراً لكرامة رسول الله (ص) , فقبله زيد , وقال : أدركتُ والله ثأرنا , أدركتُ والله شرف الدنيا والآخرة وذخرها " .
وفي صلب زيد (ع) , يقول شاعر الأمويين مخاطباً آل بيت النبي (ص) :
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلةٍ --- ولم أر مهدياً على الجذع يصلبُ
ولم تمر عشر سنوات , على استشهاد زيد بن علي عليهما السلام , وابنه من بعده يحى بن زيد عليهما السلام الذي سيقاتل مثل أبيه جيوش الأمويين في أرض جوزجان بعشرات من الرجال لثلاثة أيام ولياليها , حتى قتل أصحاب يحى بن زيد , , وأتت نشابة في جبهته فقتل , واحتز رأسه , وسلب قميصه , وصلب على باب مدينة الجوزجان في وقت قتله , ثم بعث رأسه الشريف إلى الوليد بن يزيد بالشام , وبيحى بن زيد ينتهي للأبد العصر الأموي المستبد , بعصر مستبد هو الآخر , بظفر العباسيين عليهم , وأي ظفر , فقد نبشت قبور الأمويين جميعاً , ومدت الموائد على جثث قتلاهم الذين تولى العباسيون قتلهم من بني مروان وغيرهم , وقد سُقنا ذلك لنبين العبرة في تقدير الله تعالى , فإن الله يسلط الطاغين بعضهم على بعض للإعتبار . وبمقتل زيد وابنه يحى عليهما السلام , من بعده , ذُهب بالدولة المروانية الأموية , كما أن مقتل الحسين ذُهب بالدولة السفيانية , وبمقتلهم تحركت الضمائر , وسطع الحق المبين .
( انظر :محمد أبو زهرة , الإمام زيد (ع) /انظر : مقاتل الطالبيين )
 
 
 
  ·
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق