الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

يلقون السمع

كيف يلقون السمع!!
مازالت الأرزاق جارية في العباد،  وإن انتهى عصر النبوات بمحمد رسول الله وخاتم النبيين،  فهناك ألطاف الله الخفية.


آية!

" يلقون السمع وأكثرهم كاذبون " !!

الجواب :
يلقون السمع،  بمعنى : يدعون الوحي،  أو يزعمون أنهم يتلقون الوحي،  أو يدعون النبؤة  ، وعليه،  فالخطاب هنا،  عن " المتنبئين الكذبة " .
1:
وقال :" وأكثرهم كاذبون " ، على اعتبار أن هناك قلة منهم ليسوا بكاذبين.
فبعض البشر يمتلكون قدرات فائقة،  وخصوصا العلماء الراسخون في العلم،  والحكماء العباقرة ، والشعراء الملهمون، أثناء استغراقهم  في التفكير، يلهمون بعض الأفكار وكأنها وحي يوحى، فالذين يعلمون أن السر في ذلك يعود إلى حوافز و دوافع معقولة لا يزعمون النبؤات بل يرون إلى المسألة بأنها مجرد نشاط بشري محض لكنه متفوق .
وكثير من هؤلاء يحاولون التعمية على الآخرين بالزعم أنهم تلقوا الأفكار من عوالم غامضة،  عوالم فوق البشر.
وهنا،  يدخل الكهنوت ، في المسألة.
والكهنوت باطل لأنه دعوى محلها الظنية لا اليقين،  فقد يمر على بال بعض البشر مايقال له بالتوارد ، " توارد الخواطر " ، فيزعم أنها وحي يوحى،  والوحي ليس كذلك، الوحي شيء آخر.
2:
كذلك ،كان الشعراء يهيمون على وجوههم،  ويقولون الشعر ثم ينسبون مصدره لعوالم خفية خارقة للعادة.
والعبرة بإعمال التجربة على ما يقال، فكل عمل بشري مبهر ،  أو إبداع فكري فذ .. إلخ ، مأخوذ بالنقص والعيوب، والهشاشة حتى مع كبار المفكرين والشعراء، ومعرض لإعادة الصياغة مرات،  ومرات،  والصقل،  والتحكيك.
حتى مع حدوث ذلك،يأتي شاعر آخر،  فيتفوق على السابق من الشعراء في إطار البشر.
بينما الوحي،  شيء آخر.
3:
الوحي!
الوحي ، من علاماته أولا.  أنه " ناقض للعادة " .
لا سابق له،  ولا مجايل،  ولا مماثل على الوجه من الإستقبال.
مؤثر لا متأثر ، محكم لا اختلاف فيه ولا اضطراب .
تمر عليه العصور،  فيزداد ألقا، وشبابا وحيوية،  وعصي على المعارضة.
خطابه ذو شخصية متعالية، ويعلو على كل المتعاليات البشرية.
4:
إذن،  فقد تلقى الوحي النبيون والمرسلون،  وأبلغوا الناس ما أوحي إليهم.
حسنا،  اختبروا ما قيل،  فإن كان بشريا ، فسيموت كما يموت البشر.
وإن كان غير ذلك،  فهو وحي ( علم ) من الله.
والعلم لا يتقهقر، ولا يقهر .

5:
الوحي الإلهي لرسل الله ببساطة،" كلي العلم ".
والعلم الكلي،  أو اللدني هو معرفة غير محدودة،  أو معرفة عالمية،  العلم بكل شيء ، ذلك لأن الله قد أحاط بكل شيء علما.
ومن يطلعه الله على الغيب، فقد ارتضاه رسولا له :"  عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول " .
وعليه،  فالقرآن بهذا المفهوم،  كلي العلم،  فتدبروه،  واستنبطوا منه، وسترون أنه " وحي يوحى " .
الرسل بطبيعة الحال لايزعمون أنهم يعلمون الغيب،  ولا يزعمون أنهم فوق البشر،  ولا يبتغون من تبليغهم رسالة الله جزاء ولا شكورا،  ويثقون في الله كل الثقة المطلقة،  وأنهم في سبيل أن تصل رسالة الله إلى الناس جميعا،  يضحون بأنفسهم.
ومن يؤمن بهم ، يستمد قوته وشجاعته من الرسل أنفسهم إذ لايعقل أن يكون الرسول في المؤخرة يبتغي الحياة الدنيا،  ويكون أتباعه من طلاب الشهادة في سبيل المبدأ الذي أتى به الرسول.
فإذا ماتوا فلهم الشهادة،  وإذا انتصروا فلهم العزة :" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " .

6:

الوحي الإلهي للبشر الذين رزقهم الله الرزق الحسن ، سبب.
يقول الله عن ذي القرنين :" و آتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا.. " .
السبب هنا، قد يكون : " معرفة،  إدراك،  براعة،  فراسة،  فطنة، ذكاء،  موهبة،  تمكين،  قدرة،  حكمة ، إلهام ، لطف ..إلى آخره .
طالوت مثلا :" وزاده بسطة في العلم والجسم " .
 من هنا،  وعلى ذلك نفهم المعنى من الوحي للنحل،  وأم موسى.
أو عبر وسيط،  مثل : " الحواريون " ، " المسلمون في بدر " ، " أهل البيت،  بيت النبي " ، " الغراب " ...إلى آخره.
ومن ذلك،  الوحي بكل فكرة عبقرية،  من الممكن أن يحدث أهلها بها تحولات مفصلية في سيرورة المجتمعات على اعتبار أنها هدية من الله،  وعلى صاحبها أن يشكر الله لا أن يقول كما قال قارون :" إنما أوتيته على علم عندي " .
7:
يقول الله :" فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون " .
والذي يدرس تاريخ العبقريات الخيرة،  سيجد إشارات منهم إلى ذلك،  فالأرزاق مازالت جارية في العباد،  إن انتهى عصر الزسالات بمحمد رسول الله وخاتم النبيين،  وما من تقي إلا ويجعل الله له نورا،  أو فرقانا،  أو مخرجا، فاشكروا الله على نعمه يزدكم :" لئن شكرتم لأزيدنكم " ، وقل اعملوا..  ، فمن اجتهد في طلب شيء نال بعضه إن لم ينل كله،  والمهم في الأمر الثقة بالله،  وحسن الظن،  والتوكل عليه،  ومن يتوكل على الله فهو حسبه،  والأمور بأسبابها ، وفي أنفسكم أفلا تبصرون،  فافهم،  وقل رب زدني علما.

د. ع الكبسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق