السبت، 6 أكتوبر 2012

العشق في القرآن د.عبدالسلام الكبسي

د.عبدالسلام الكبسي
 
لم يحرم القرآن الكريم الحب بين المرأة والرجل , بل تعرض له كحالة طبيعية , ووضع له ضوابط شرعية .
العفة أساس الرجولة والأنوثة الكاملة .
وفي سورة يوسف ما ينمي الذوق والإحساس بالجمال , وقد حصل أن تحرج المتزمتون منها , ولا يروق لهم أن تطلع النساء المسلمات على السورة نفسها .


لايتنكر القرآن الكريم للمشاعر الإنسانية بالجحود , ولا يتجاهل شمسها بالتغطية فيما يتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة , فقد ناقشها بالتعبير عنها كما هي عليه في الجبلة كفطرة , من رغبةٍ بالشهوة , أو إعجاب بالنية , و...
اضعاً لها ضوابط عقلانية تتناغم ولاتتصادم مع طبائع البشر الأسوياء في كل الثقافات , وعلى مختلف العصور , فالإنسان هو الإنسان نفسه منذ آدم , إذ لم يتغير شيء منه على صعيد الجوهر مع تقدمه في الحضارة أو تأخره قديماً بالبداوة حتى الإمتداد , وما نحسبه تغييراً ليس إلا مايبدو لنا من بعيد على السطح , كشكل , لا جوهر .
فعلى صعيد الزواج عبر القرآن بقوله :"وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) – النساء .
بما تعنيه دلالات الكلمات على وجه الحشمة , و التهذيب , وبما لايخدش الحياء بقوله: " انكحوا " , و: " ماطاب ", وذلك بما يتناسب وفخامة الجملة القرآنية ,ورقيها بصفة عامة .
وعلى صعيد آخر , فقد أباح القرآن الكريم للرجال التعريض تلميحاً , وتصريحاً بالرغبة في الإرتباط من نساء بأعينهن , كما أن التكتم على الرغبة بالنية في ذلك , لاجناح عليه , مع اللياقة ,بالعفة : "وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)- البقرة .
وبشكل عام , فمن ما جبل عليه الناس كفطرة حب الشهوات , وهنا المحك , فعند الله حسن المآب :" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) – آل عمران .
ولقد أشار القرآن الكريم بقوة إلى نساء صالحات , في موافقة صريحة لأن يكون للمرأة دورها الكامل باختيار الرجل الزوج ,وإبداء الرغبة في الإرتباط به ,بالإعجاب , على الوجه الذي قدمه القرآن بخصوص ابنة شعيب عليه السلام مع موسى عليهم السلام : " وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)- القصص .
بما يليق وبنات الأنبياء ,كقدوة , في الخطاب .
وقد قدم لنا نموذجين لمؤمنتين , ولكافرتين : " ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) – التحريم .
وجعل من العفة بالإيمان , مقياس للصالحات .
كما أشار إلى الرغبة الإنسانية بالارتباط ببعض النساء , بما لافرق في ذلك بين الأنبياء وغير الأنبياء , فالجميع بشر , وانما الإصطفاء بالنبوة ما يفرق بين النبي من غير النبي , فقد ورد في حق رسول الله (ص) التالي من الآيات ضمن هذا الإطار كحكم على وجه التشريع : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)- الأحزاب .
فقد رغب رسول الله في الزواج بطليقة زيد بن حارثة , وكان يتحرج لأنه دعيه , فرخص الله له ذلك , وكان زواجه منها حكماً للمسلمين .
كما أشار إلى الضعف الإنساني بيوسف عليه السلام , كفتنة ,فبناء على نظرية الأحداث في إحداث التحولات الفردية والجماعية , فقد فتن يوسف , كما فتن آدم من قبل , بالشجرة , ونتج عن مخالفته تحول في صيرورة آدم عليه السلام , وأيوب بأحزانه , ويونس بقومه , فكان الحوت , وموسى بقتله خطأ لرجل كان قد وكزه غير عامد , ويوسف عليه السلام بزوجة العزيز وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)- يوسف . , بل و بنساء امرأة العزيز جميعاً , اللواتي لم يستطعن إخفاء إعجابهن بالتعبير عن ما خالجهن من شعور , بتذوق الجمال في الرجل ,كما يتذوق الرجل الجمال في المرأة على حد سواء : " فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)- يوسف . حتى قال : " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)- يوسف .
وبشكل مغاير , وعلى الصعيد العام , تعالج سورة يوسف عليه السلام بالقرآن الكريم موضوعة العشق بالعفة , والرغبة بالتمنع , والخيانة بالوفاء , وفيها دعوة إلى الحق : الآن حصحص الحق . ولا تتنكر بتفهمها للمشاعر الإنسانية , في تركيزها على الضعف الإنساني الملح بالمقاومة , : هم بها وهمت به .وعلى الكيد بالتحدي , في اصرار على الغواية من امرأة جنت بفتاها بما عبر عنه القرآن بقولهن : " شغفها حباً " , في قوله تعالى : " وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)- يوسف .
وفيها القدوة بالصفح , والعفو والتسامح , والإحسان , والشجاعة النادرة في الإعتراف بالجميل والحق المبين .
علاوةً على مافي السورة من أحداث دراماتيكية , إن جاز لنا التعبير ,ليوسف وأبيه , وإخوته , وامرأة العزيز , وللملك , وحبكة في القص كإسلوب متفرد , إضافة إلى الأحكام , ومابين دخول يوسف في البئر وخروجه منها حدث تحول ما في صيرورة يوسف ,كقاعدة طردية , في عموم الأحداث لأهل الكهف بالكهف والخروج منه , وليونس بالحوت , وهكذا , قياساً بدخول النبي حراء , وخروجه بالنبوة , وبغار ثور الذي أفضى إلى تحول مصيري للإسلام بالهجرة , نقول ذلك , مؤكدين على أهمية المرور بحدث قوي كتجربة , ودوره في تغيير المرء بشكل تلقائي , لنعود إلى يوسف عليه السلام الذي سيدخل القصر , ولن يخرج منه إلا وقد حدث تحول له , بدخوله السجن , وفيه سيبدأ دعوته الإسلامية ,وسيخرج منه كتحول إلى ما رأينا في عرض القرآن الكريم لذلك بما يليق به ككتاب سماوي لا من حيث اللغة وبناء الجملة , في اختلاف مع السائد , ومع ماكان من قبل , على وجه الفرادة فحسب ,وإنما في خطابه العقلاني الواقعي , وهو يعرض لأشد المعاني تعقيداً لدى الناس , كالحب بما يعنيه من شغف في رغبة لامتلاك الآخر قسراً , وفي التوله بالعشق بكشف الغطاء عن الشعور المتكافئ نفسه لدى النساء والرجال ,كدلالة على الفطرة السوية , بما لا يحرم ذلك , وقد رأينا كيف أدان القرآن قوم لوط , وإنما بوضع الضوابط لها بما يحفظ لكل كرامته .
إن في سورة يوسف ما ينمي الذوق بالإحساس بالجمال , والحق في اللاشطط بالإعتدال , وفيها من المتعة كقصة في العشق ,بين فتى جميل وعفيف ووفي وصديق ( مؤمن ) هو نبي الله يوسف عليه السلام , وسيدة كريمة لم تخرج عن القاعدة بالشذوذ لعشقها فتاها ,إلا من باب العفة , ومن باب الوفاء في الارتباط بالزوج , دون اختراق قدسية الزواج بالأهواء ,كان القرآن قد تعرض لها بشفافية وعمق , معالجاً لها بالضوابط , دون أن يتنكر لها بالتكفير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق