الجمعة، 19 أكتوبر 2012

مقاييس نقدية : المطبوع والمصنوع الدكتورعبدالسلام الكبسي

الدكتور عبدالسلام الكبسي



المطبوع والمصنوع
 
يعرف المظفر بن الفضل الصنعة في الشعر بأنها" عبارة عن النظم الذي خلصه من النثر،وجمع أشتاته بعد التبدد والصدع " (27).

وبربط هذا التعريف بمقولة لابن قتيبة التي يقدم المطبوع من خلالها بتعريفه للمصنوع في شخص الشاعر نفسه، بعد أن وضع له مرادفاً من جنسه وهو: "المتكلف"،" الذي قوم شعره بالثقاف، ونقحه بطول التفتيش، وأعاد فيه النظر بعد النظر كزهير والحطيئة" (28).

نخلص، بنتيجة مفادها أن المطبوع هو ما أفصح في العمل الإبداعي عن بساطة وتلقائية، من حيث انسجام اللفظ مع المعنى، ووضوح الدلالة. أو بمعنى آخر، فالمطبوع "ما أراك في صدر بيته عجزه، وفي فاتحته قافيته، وتبينت على شعره رونق الطبع، ووشي الغريزة"(29)، وذلك بأقل قدر من الأدوات الشعرية، على عكس من المصنوع حيث الاحتفال بالتعابير المبالغ في صناعتها، على نحو بعيد، في غموض الاستعارة، وجفاف الكلمات، وتمزق النسيج، نتيجة كثرة ما كان قد عبر عنه أبو الفرج الأصبهاني بالتحكيك الذي قد يستمر أياماً " (30).

من أجل ذلك، ولأسباب أخرى ، ليس هنا مكانها، يفضل بعض الشاعريين المطبوع على المصنوع، حتى وإن كان هذا الأخير جيداً، ومحكماً" وليس به خفاء على ذوي العلم، لتبينهم فيه ما نزل بصاحبه من طول التفكر، وشدة العناء، ورشح الجبين، وكثرة الضرورات، وحذف ما بالمعاني حاجة إليه، وزيادة ما بالمعاني غنىً عنه " (31).

في حين أن حجة من يقدم المصنوع على المطبوع، بعد أن يضع التأمل في موازاة العاطفة المشبوبة التي يتصف بها المطبوع كحافز، تتمثل فيما لحقه من التشذيب، والتهذيب بحيث لا يوجد ثمة حشو، ولا زيادة، وهو ما كان ديدن زهير بن أبي سلمى وأضرابه، ممن حققوا حضوراً ،وأنصارا،ً اعتماداً على – وإن لم يستمدوا جذوة أشعارهم من الطبع المشبوب- ما كان قد شرطه المرزوقي بالرواية، والممارسة المستمرة، مما يؤدي إلى " لطافة المعنى وحلاوة اللفظ ما يكون صفواً بلا كدر، وعفواً بلا جهد" (32).
والخلاصة أن الشاعريين القدماء كانوا قد عالجوا بعض التجارب الشعرية عبر هذا المقياس، من حيث السهولة على التعقيد,
والبساطة على التكلف، وهو ما لا ينسحب على أمثال زهير، وأبي تمام، والفرزدق في عموم تجاربهم، وإن وجدت لهم بعض الهفوات ،فهي عارضة لا شاملة.وبغير الانطلاق من قضية الطبع ،كموهبة ،لا يمكن لنا ،بصدد هذا المقياس، المزيد من التحليل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق