الجمعة، 19 أكتوبر 2012

مقاييس نقدية : الائتلاف والإختلاف والهوامش الدكتور عبدالسلام الكبسي

الدكتور عبدالسلام الكبسي

 
 

7.الائتلاف والاختلاف


يعود اجتراح هذا المقياس الجديد، في الشعرية العربية المعاصرة ، إلى أدونيس الذي ظل منشغلاً بالتنظير لهذا المفهوم ( مفهوم الاختلاف) منذ كتاباته المبكرة الأولى. والاختلاف، عند أدونيس، واحد من مقاييس الشعر الخلاق" في أنه لا يقلد نموذجاً للجمال الشعري موجوداً بشكل أولاني أو مسبق، سواء اتخذ هذا التقليد شكل المحاكاة، أو شكل المضاهاة، إن خاصيته الأولى على العكس، هي في الكشف عن جمال عير معروف، ولهذا فإن علم الجمال الشعري، هو علم جمال التغير والاختلاف، وليس علم جمال الثبات والمطابقة "(43).

فلا مجال، إذن، للتقليد: مشابهة ً، أو محاكاةً، أو معارضةً، أو مضاهاةً، أو مطابقةً، أو ما شابه هذه المعاني. ذلك لأن غاية الشعر الأصيل، هي أن يكون مختلفاً : بأن لا يحتذى مثالاً ما، أو لا يقتدى بطريقة معروفة، من حيث أنه مسكون، أبداً، بهاجس البحث عن طريقة جديدة، من خلال ذاته تحديداً، وذلك للتعبير عن تجربته الخاصة حيث لا مجال هنا إلا للتجارب المتميزة، وهي تنزع في كل مرة " إلى مغادرة مناخ التماثل الغفل " (44) ـ حسب كمال خير بك.


في كلام البدايات لأدونيس، يقدم لنا أدونيس، وعلى نحو إجرائي، مثالاً، من خلاله، لا يهدف إلى تمييز الاختلاف بين شعر، وشعر فحسب، وإنما كتفعيلة، كمقياس لتجربة واحدة من الشعراء، في تراوحها ما بين الاختلاف كإبداع، والائتلاف كتقليد. نقرأ لأدونيس : " والاختلاف بين الشعر واللاشعر، هو كما هو الاختلاف بين بيت زهير الذي يقول :


تزود إلى يوم الممات فإنه -----   وإن كرهته النفس آخر موعد


وبين بيته الذي يقول :


تراه إذا ما جئته متهللاً -----   كأنك تعطيه الذي أنت سائله


ما الفرق بينهما شعرياً؟ فكلاهما من البحر الطويل : وزن واحد- إيقاع واحد. لكن الشعر فيهما مختلف. البيت الأول إخباري- حكمي- عقلي، يقول المعروف. يكرر، يدخل في سياق المألوف. البيت الثاني يصور. يقيم علاقات جديدة بين السائل والمجيب، الأخذ والعطاء. يعطي معنى جديداً للعطاء. قيمة الإنسان في كونه معطياً : ما هو له هو في الوقت نفسه للآخر" (45).


لن نناقش أدونيس هنا لقصره الاختلاف كمقياس، للتفرقة بين الشعر من اللاشعر، من حيث المعنى فقط، وهو ما كان قد وقع فيه الجرجاني، من قبل، بمقياسه: الحقيقة والمجاز، على وجه المحدودية، في النظرة إلى الشعر من ثقب ضيق، الأمر الذي يتناقض والشعر، من حيث التعدد في الاختلاف …، لنقول، كخلاصة، أن هذا المقياس كان وليد التجربة الحداثية المعاصرة التي دعت إلى المغايرة والاختلاف، بالتمرد على المألوف، والشبيه، والسائد، مفيدةً من كل الإمكانات التي كانت قد نضجت على أياد الشاعريين في ثقافتنا العربية القديمة، أو عن طريق ما كان قد عبر عنه محمد بنيس باستقراض رأسمال التصورات "(46)، عن طريق الترجمة، أو القراءة في الثقافة الأجنبية.

وبغير استيعابنا لهذا المفهوم (الاختلاف)، لا يمكن لنا فهم وتحليل التجربة العربية المعاصرة، علاوة على التجارب الاستثنائية لبعض الشعراء القدماء، بالإضافة إلى الإبداع كماهية، وكشكل، على نحو ناضج، وعميق، في الآن ذاته.




(1) – ديفد ديتشس، مناهج النقد، تر: محمد يوسف نجم، دار صادر، بيروت- لبنان، ، ط I، 1967،ص 92-93.

(2) – صلاح فضل، علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته، دار الآفاق- بيروت، ط I، 1985، ص 168.

(3) – عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، قراءة وتعليق محمود محمد شاكر، دار المدني بجدة، ، طI، 1991،ص 547.


(4) – أبو حامد الغزالي، مشكاة الأنوار، تحقيق أبو العلاء عفيفي، الدار القومية للطباعة، القاهرة، ط I، 1964،ص 78.

(5) – ديفد ديتشس، مناهج النقد،(م.س)، ص 140.


(6) – ابن طباطبا، عيار الشعر، تحقيق طه الحاجري،(م.س)، ص


(7) – حازم القرطاجني، منهاج البلغاء،(م.س)، ص 372.


(8) – الأمدي، الموازنة ،(م.س)، ص 374.


(9) – المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، نشره أحمد أمين وعبد السلام هارون، المجلد I، دار الجيل، بيروت، ط I، 1991، ص 15.


(10) – ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، المجلد I، ط2، ص 1107.


(11) – ديفد ديتشس، مناهج النقد، (م.س)،ص 140.


(12) – ابن سلام، طبقان فحول الشعراء، تحقيق محمود محمد شاكر، السفر الأول، دار المدني بجدة- مطبعة المدني بالقاهرة، طI، سنة (بدون)، ص 55


(13) – نفسه، ص 55.


(14) – الأصبهاني، الأغاني، دار الثقافة، بيروت- لبنان، المجلد 2،ط I، 1955، ص 136.


(15) – الجرجاني ( علي بن عبد العزيز)، الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم- علي محمد البجاوي، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، طI، 1966،ص33.


(16) – عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق محمد الفاضلي، المكتبة العصرية، بيروت، ط2، 1999، ص 202.


(17) – نفسه، ص 202.


(18) – نفسه، ص 202.


(19) – نفسه، ص 202.


(20) – أنظر المرزوقي، شرح ديوان الحماسة ،(م.س)، ص 12.


(21) – عبد المجيد زراقط، في مفهوم الشعر ونقده، دار الحق، بيروت- لبنان ط I، 1998،.


(22) – أنظر ابن طباطبا، عيار الشعر، تحقيق طه الحاجري، المكتبة التجارية- القاهرة طI، 1956،.


(23) – حازم القرطاجني، منهاج البلغاء ،(م.س)، ص 63.


(24) – عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، قراءة محمود محمد شاكر، دار المدني بجدة، طI، 1991، ص 263.


(25) – نفسه، ص 263.


(26) – أنظر عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، قراءة محمود محمد شاكر، ص 263-265-266-267.


(27) – المظفر بن الفضل، نضرة الأغريض، تحقيق نهى عارف الحسن، دار صادر- بيروت، ط2، 1995، ص 26.


(28) – ابن قتيبة، الشعر والشعراء، (م.س)،ص 83-84.


(29) –ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ص 36-37.


(30) – أنظر الأصبهاني، الأغاني، دار الفكر- بيروت، الجزء 3، طI ، 1986، ص 141.


(31) – ابن قتيبة، الشعر والشعراء، (م.س)، ص 34.


(32) –انظر المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، (م.س)، ص 4.


(33) – أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين: الكتابة والشعر، تحقيق علي محمد البجاوي، المكتبة العصرية صيدا، بيروت، ط الأولى، 1986، ص 58.


(34) – نفسه، ص 58-59.


(35) – نفسه، ص 60-61.


(35) – نفسه، ص 60-61.


(26) – نفسه، ص 67.


(37) – أنظر عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز، وابن الأثير في المثل السائر ، والوساطة للقاضي الجرجاني وغيرهم.


(38) – عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، قراءة محمود محمد شاكر، (م.س)، ص 474.


(39) – أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين، (م.س)، ص 69.


(40) – ابن رشيق القيرواني، العمدة، (م.س)، ص 252.


(41) – المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، (م.س)، ص 8.


(42) – نفسه، ص 6.


(43) – أدونيس، كلام البدايات، دار الآداب، بيروت- لبنان، ، ط الأولى، 1989،ص 30.


(44) – كمال خير بك، حركة الحداثة في الشعر المعاصر،تر، لجنة من أصدقاء المؤلف، دار الفكر، بيروت،ط 1، 1986، ص 352.


(45) – أدونيس، كلام البدايات، (م.س)، ص 32.


(46) – محمد بنيس، محاضرات في الشعر العربي المعاصر، كلية الآداب – الرباط،95-1996

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق