الجمعة، 19 أكتوبر 2012

مقاييس نقدية : القلة والكثرة الدكتور عبدالسلام الكبسي

الدكتورعبدالسلام الكبسي




القلة والكثرة
ابن سلام الجمحي هو الأول من الشاعريين الذين لامسوا المنهج بمقاييس واضحة، بتقسيمه كلاً من شعراء الجاهلية، والإسلام إلى عشر طبقات، تتألف كل طبقة واحدة منها على أربعة شعراء، معتمداً، على الأسس التالية :


1- كثرة شعر الشاعر.
2- تعدد أغراض الشعر.
3- جودة الشعر.

الأسس التي يفصح عنها النصان التاليان في شخصي: امرئ القيس، والأعشى. فإذا كان الأول ـ حسب ابن سلام قد " سبق العرب إلى أشياء ابتدعها، واستحسنتها العرب، واتبعته فيها الشعراء: [مثل] استيقاف صحبه، والبكاء في الديار، ورقة النسيب، وقرب المأخذ، وشبه النساء بالظباء والبيض، وشبه الخيل بالعقبان والعصي، وقيد الأوابد، وأجاد في التشبيه، وفصل بين النسيب وبين المعنى " (12)، فإن الثاني ( أي الأعشى) : " أكثرهم عروضاً، وأذهبهم في فنون الشعر، وأكثرهم طويلة جيدةً، وأكثرهم مدحاً، وهجاءً وفخراً ووصفاً، كل ذلك عنده" (13).

والواضح أن هذا المقياس : " القلة والكثرة"، على الرغم من أهميته، لا علاقة له بتقييم التجربة الشعرية للشاعر، من حيث العمق والأصالة، بالقدر الذي له علاقة بالتجارب الشعرية على نحو المفاضلة بين الشعراء. إن ذلك ما كان قد أفصح عنه بشار بن برد، فيما بعد، عندما حكم لنفسه بالسبق والاستظهار على كل الشعراء، لأنه – حسب رواية أبي عبيدة – : "قال ثلاثة عشر ألف بيت جيد، ولا يكون عدد الجيد من شعر شعراء الجاهلية والإسلام هذا العدد، وما أحسبهم برزوا في مثلها" (14).في كتاب الوساطة، سنجد أن السبق، من ضمن أشياء، لمن " بده فأغزر، ولمن كثرت سوائر أمثاله، وشوارد أبياته" (15).فالكثرة على هذا الأساس قائمة، كمقياس، على عظمة الشعر، في حين أنها في انتسابها إلى إمكانية الشاعر أقرب وأدق.وما يمكن أن نسجله هنا كمدخل إلى ضعف هذا المقياس، هو في اتخاذه صفة العموم،صبغةً ،له، إذ من الممكن أن تنطبق على أغلب الشعراء الذين اتصفوا بالكثرة من حيث الكم، أو التعدد في الأغراض (وإن كان ثمة جودة، على نحو ما أشار إليه بشار)، وهو ما يهضم أهم التجارب الشعرية التي كانت قد أثرت في صيرورة القصيدة، على الرغم من قلتها، على نحو كمي، لصالح الكيفية، من حيث الجدة والمغايرة. وبذلك، فإن أمثال زهير بن أبي سلمى، أو ابن زريق البغدادي، أو الشعراء الصعاليك وغيرهم لا يشملهم المقياس إياه، مما يدعونا إلى الحكم عليه بالقصور، في هذا الجانب، على الأقل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق