الأحد، 15 يوليو 2012

نحو منهج نقدي , الجزء 2



الفصل الثاني

التجربة في القصيدة الشعرية

1. القصيدة الشعرية كتجربة

1.1. ما القصيدة ؟

          إنه السؤال نفسه: ما  الشعر؟،  وعلى كل " فكلمة قصيدة نفسها لا تسلم من اللبس، ذلك أن وجود  عبارة " قصيدة نثرية" التي أصبحت شائعة الاستعمال، يسلب كلمة قصيدة في الواقع، ذلك التحديد التام الوضوح الذي كان لها يوم كانت تتميز بمظهرها النظمي وفعلا ففي الوقت الذي كان فيه النظم شكلا لغوياً تعاقدياً  صارم التقنين كان للقصيدة وجود شرعي غير قابل للنـزاع، وهكذا كان يعتبر قصيدة كل  ما كان مطابقاً لقواعد النظم، ونثراً ما ليس كذلك. غير أن عبارة " قصيدة نثرية" الظاهرة التناقض تفرض علينا إعادة تعريفها".(1)

          بالعودة إلى لسان العرب لابن منظور، يتضح لنا أن الحوض الدلالي لكلمة قصيدة محصور في اكتمال شطر أبياتها الشعرية من حيث الوزن، بالإضافة إلى القصدية عند البناء، على وجه الصنعة. جاء في اللسان:

          " والقصيد من الشعر: ما تم شطر أبياته، وفي التهذيب: شطر أبنيته، سمي بذلك لكماله وصحة وزنه. وقال ابن جني: سمي قصيداً لأنه قصد واعتمد وإن كان ما قصر منه واضطرب بناؤه نحو الرمل والرجز شعراً مراداً مقصوداً، وذلك أن ما تم من  الشعر وتوفر أثر عندهم وأشد تقدماً في أنفسهم مما قصر واختل، فسموا ما طال ووفر قصيداً أي مراداً مقصوداً، وإن كان الرمل والرجز أيضاً مرادين مقصودين"، والجمع قصائد،  وربما قالوا: قصيدة. وقيل : سمي قصيداً  لأن قائله احتفل له فنقحه باللفظ الجيد والمعنى المختار. وقالوا شعر قصد إذا نقح وجود وهذب، وقيل: سمي الشعر التام قصيداً لأن قائله جعله من باله فقصد له قصداً ولم يحتسه حسياً على ما خطر بباله وجرى على لسانه، بل روى فيه خاطره واجتهد في تجويده ولم يقتضبه اقتضاباً فهو فعيل من القصد وهو الأَمُّ، ومنه قول النابغة :

          وقائلة مَن أمها واهتدى لها.. زيادُ عَمرٍ وامها واهتدى لها.

          أراد قصيدته التي يقول فيها: يا دار مية بالعلياء فالسند". (2)

فالقصيدة، على هذا الأساس، ومن خلال اللسان لا تخرج عن التحديد القديم للشعر الذي تواضع قدامة بن جعفر عليه، بقوله " إنه قول موزون مقفى، يدل على معنى" (3). وهو تحديد يشخص الشعر داخل القصيدة، لاخارجها، على الرغم من أن انضج أنواع الشعر ،وأسماه  قد  يوجد دون وزن أو قافية، بل وبدون القصدية التي تتميز بها القصيدة. وعلى كل حال ففي أي قصيدة، يمكن القول، أنه من غير الممكن أن تكون كلها شعراً لكن" ومع ذلك  فلكي تخرج القصيدة  كلاً منسجماً يجب أن تتلائم الأجزاء الباقية(غير الشعرية)  مع الشعر. ولا يتم هذا إلا بالاختيار المقصود والترتيب الفني بحيث تتحقق صفة من صفات الشعر وإن لم تكن الصفة المميزة له" (4)، وهو ما كان قد عبر عنه اللسان، وسماه بالشعر التام،" لأن قائله قد  جعله من باله فقصد له قصداً، ولم يحتسه حسياً على ما خطر بباله وجرى على لسانه بل روى فيه خاطره"(5).

هذه الصفة تتجسد في " إثارة قسط من التنبيه المستمر المتكافئ أكبر مما ترمي إليه لغة النثر حديثاً كانت أو كتابة" (6).

وإذا كانت القصيدة الشعرية تحتوي  "على العناصر نفسها التي يحتوي عليها التأليف النثري في الظاهر، فإنها تحتوي على نفسها الفروق الناجمة عن اختلاف طريقة امتزاج هذه العناصر، وذلك بسبب اختلاف غاية كل منهما. فالاختلاف في الامتزاج يتوقف على الاختلاف في الغاية. فمن الممكن أن لا تتعدى الغاية تيسير استذكار مجموعة من الحقائق المعينة أو الملحوظات وذلك بترتيبها ترتيباً مفتعلاً.  والتأليف الناتج يكون قصيدة ، لمجرد أنه تميز عن النثر بالوزن أو القافية أو بالاثنين معاً. وبهذا المعنى يمكن للإنسان أن يطلق إسم "القصيدة" على ذلك التعداد المشهور للأيام في الشهور المختلفة: عدة الأيام ثلاثون في سبتمبر، وفي أبريل ويونيو ونوفمبر.وعلى غيرها مما ينتمي إلى طبقتها ويتجه إلى مثل غايتها. وبما أن  هناك لذة خاصة في توقع تكرار الأصوات والمقاطع، فإن كل تأليف أضيف عليه هذا السحر، بغض النظر عن مضمونه، يمكن أن يدعى قصيدة" (7)، ويمكن ألا يدعى غير  " كلام منظوم" (8) عند ابن خلدون، أو ما كان قد عبر عنه ،الجمحي، من قبل، مِن أنه ليس سوى " كلام مؤلف معقود بقواف" (9) وحسب. إذ ينبغي بجانب الوزن لكي تكون قصيدة  "  أن تجعل سائر الأجزاء متناغمة معه. وينبغي أن تكون هذه الأجزاء بحيث تبرر التنبه الدائم المتميز لكل منها، ذلك التنبه الذي يفترض أن يثيره التكرار الملائم للنبرة والصوت"  (10) على الأقل، كحد أدنى. وكما أن القصيدة لا تتحقق إلا بالوزن والقافية على نحو رئيس، وإن كانت هذه الأخير قد أمكن، ويمكن الاستغناء عنها فإن البيت الشعري هو أساس في بنائها، كونها لا تقوم إلا بقيامه مكتملاً، علماً أنه قد أخذ، مع القصيدة المعاصرة، تسمية : المقطع(*)، وإن كان ،هذا الأخير، لم يخرج من حيث الوظيفة عما عرفه ابن رشيق للبيت الشعري ،بقوله : " والبيت من الشعر كالبيت من الأبنية، قراره الطبع وسمكه الرواية، ودعائمه العلم  وبابه الدربة، وساكنه المعنى، ولا خير في بيت  غير مسكون وصارت الأعاريض والقوافي كالموازين والأمثلة للأبنية، أو كالأواخي والأوتاد للأخبية فأما ما سوى ذلك من محاسن الشعر فإنما هو زينة مستأنفة لو لم تكن لاستغنى عنها "(11).

هذا التعريف، من طرف ابن رشيق،  للبيت الشعري، شامل للنظرية الشعرية العربية برمتها، لاحتفاظه بالشروط ( شروطها) التالية، من  حيث:

1- الطبع  في أفضليته على الصنعة.

2- والرواية من حيث  هي مصدر اللغة،  ككلمات، ومعجم يمتح منها الشاعر مادة قصيدته الرئيس.

3- والعلم بمقاييسه، وأدواته، وعروضه، وقوافيه، شواهده وأمثلته، الجيد منه والرديء...إلخ.

4- الدربة، بمعنى الممارسة والتجربة.

مع حرصه على تأكيد المعنى : إذ "لا خير في بيت غير مسكون" (12).

2.1. القصيدة كتجربة

1.2.1. مفهوم التجربة في الثقافة العربية

يرى محمد بنيس أننا " لا نستطيع أن نتعامل مع مفهوم التجربة  وكأنه مفهوم واضح في الثقافة العربية، خاصة وأن الكتابات النظرية والنقاشات النقدية في العالم العربي الحديث خلطت أحياناً بين التجربــة والتجريب" (13).

 وكان أدونيس قد حاول، على سبيل المثال، أن يفرق بين الاثنين، بتعريفه للتجريب، من أنه: " المحاولة الدائمة للخروج من طرق التعبير المستقرة أو التي أصبحت قوالب وأنماطاً، وابتكار طرق جديدة" (14).

          ويرى عبد المجيد زراقط أنه قد "تم تداول هذا المصطلح الجديد وفق مفهومين: الأول قريب من مفهوم التجربة الشعرية، أي أنه تحول دائم مرتبط بتحول الحياة، والثاني بعيد عن هذا المفهوم، ذلك أنه اختيار لشكل شعري يظن أنه موائم للتعبير عن التجربة الشخصية،  وتجسيد واختبار ملاءمة هذا الشكل، بعد صب معان محددة سلفاً فيه. أي أنه يلخص بكلمتين  هما : اختيار واختبار" (15).

          وهو نفسه ما كان قد عبر عنه أدونيس، قبل قليل، بخصوص التجريب، إلا أننا قد وجدنا لجاكوب كورك، كنموذج غير عربي، تعريفا،ً يفرق فيه بين التجربة والتجريب على نحو دقيق ف" التجريب مصطلح فني يدل على منهج بعينه في صياغة التجربة الفنية وهو يخص بنية الألفاظ واختيارها هنا، ولكن التجربة أمر مشترك عند  جميع الفنانين ولا يخلو أي عمل منها، لذا اقتضى التفريق  بينهما في الاستخدام" (16).

بالعودة إلى لسان العرب يتبين لنا أن الحوض الدلالي لكلمة التجربة محدد بمعنى الخبرة أولاً،وبمعنى الإختبار ثانيا، وبمعنى المعرفة أخيراً. جاء في اللسان :" وجرب الرجل تجربة: اختبره(…) ورجل مجرب: قد بلي ما عنده. ومجرب: قد عرف الأمور وجربها، فهو بالفتح، مضرس قد جربته الأمور وأحكمته، والمجرب، مثل المجرس والمضرس، الذي قد جرسته الأمور وأحكمته، (…) التهذيب: المجرب: الذي قد جرب في الأمور وعـرف ما عنده" (17).

2.2.1. الخطاب الثقافي القديم ـ مدلول كلمة التجربة

وبرصدنا  لكلمة التجربة في بعض الخطابات العربية القديمة، سنجد أنها لا تخرج  عما قدمه لنا لسان العرب. فهذا عبد القاهر الجرجاني يورد الكلمة نفسها، بمعنى الاختبار، أثناء كلامه عن تنافي الشيئين، وذلك في باب العبارة بالتمثيل أبلغ تأثيراً من  العبارة بغيره وفعل المشاهدة " من التحريك للنفس، والذي يجب بها من تمكن المعنى في القلب إذا كان مستفاده من العيان، ومتصرفه من حيث تتصرف العينان وإلا فلا حاجة بنا في معرفة أن الماء والنار لا يجتمعان إلى ما يؤكده من رجوع إلى مشاهدة، واستيثاق تجربة " (18).

مع ابن طباطبا سترد الكلمة بمعنى الخبرة في قوله :" واعلم أن العرب أودعت أشعارها من الأوصاف والتشبيهات والحكم ما أحاطت به معرفتها، وأدركه عيانها، ومرت  به تجاربها وهم أهل وبر: صحونهم البوادي وسقوفهم السماء" (19).

أما ابن الأثير، فسترد عنده ، بمعنيين هما: " الاختبار"، و "العلم" وذلك على التوالي، في النص نفسه الذي يقول فيه : " وقد قدمت القول في أن صاحب هذه الصناعة، يحتاج إلى دواوين كثيرة لفحول الشعراء، فإذا فعل ذلك فليدمن في حل الأبيات الشعرية زماناً طويلاً، حتى تحصل له الملكة، ليكون إذا كتب كتاباً، أو خطب خطبة جاءته المعاني سانحة وبارحة، وواتته السرعة فيما ينشئه من ذلك، ولا يحول بينه وبينه الإبطاء وهذا شيء حصل لي بالتجربة فخذ من ذلك ما قتلته التجربة علماً، لا ما نقلته الألسنة أخباراً " (20).

عن طريق أدونيس ، الذي سيورد نصاً للفارابي،  ترد فيه الكلمتان معاً، دون أن يعلق عليه، سوى بما قاله من أنه لا يريد أن يكرر الحديث في هذا الموضوع، إذ كان قد سبق له أن خاض فيه، وقد وردتا بمعنى اليقين معاً،  ذلك أن " تعمد إحساس أشياء كثيرة، مراراً كثيرة، ليفعل العقل في ما يتأتى إليه عن طريق الحس، فعله الخاص، حتى يصير يقيناً، يسمى التجربة"، ويقول: التجريب هو الذي به يفعل العقل في ما يتأدى له عن الحس إلى الذهن، فعله الخاص، حتى يصير يقيناً " (21).

والواضح أن العبارتين السابقتين للفارابي تحملان من الغموض الكثير، مما لا يمكن لنا الإفادة منهما إلا في سياق رصدنا لهذه الكلمة (التجربة) ، وما تفضي به من معنى قد لا يتجاوز ما نص عليه لسان العرب مثلما أسلفنا، مما يعزز الرأي القائل بمحدودية معناها من جهة أولى، في اقتصاره على مثل مفهوم الخبرة أو الاختبار، العلم أو  اليقين، وبأنها قد أخذت مع المعاصرين مفهوماً مغايراً، بالإضافة إلى اشتمالها على إملاءات اللسان، من جهة ثانية. بقي معنا، هنا، نصاً للإمام الهادي يحي بن الحسين الرسي، نثبته نظراً لأهميته في هذا السياق، وذلك عبر جواب له على المسألة الخامسة. فقد جاء في جوابه على السؤال: هل يستطيع الإنسان أن يجهل ما عرف؟ التالي:

" المعنى الثالث: فهو ما أدرك وعلم بالتجربة مما لم  يكن ليدرك  أبداً إلا بها، ولا يصح لطالب إلا منها، من ذلك ما أدركه المتطببون من علم ما يضر وما  ينفع، وما يهيج وما يقمع، وما يقتل من السموم وما يردع السم عن المسموم، وما يفسد العصب، وما يجتلب بأكله العطب، وغير ذلك  مما يطول ذكره، ويعظم لو شرحناه أمره، مما لا يدرك أبداً إلا بالتجربة أولاً. فمن هذه الثلاثة المعاني تصح المعارف كلها للعارفين، ويثبت الفهم  للمتفهمين، وقد يجهل ذلك كله من شاء أن  يجهله، كما يعرفه من شاء أن  يعرفه لأهون الأمر، وألطف الخبر. فأما التجربة فيجهلها من لم يجرب الأشياء. وأما الفهم والتمييز بالعقل فقد يبطله شارب الخمرة فيزيل بذلك ما ركب فيه من لبه، ومن ذلك رقاد الراقد، إذا رقد  لم يعلم ممن يدخل إليه أو  يخرج عنه بأحد، والتبس عليه الليل والنهار، وعميت عنه بكليتها الأخبار حتى ربما استرقد ليلاً فلا يعلم حتى يهجم عليه النهار، وربما رقد نهاراً فلا يعلم حتى يهجم عليه الظلام،  ويزول الإبصار"(22).

ويقول: " وسألت عن لقاح العقل؟ ولقاح العقل فهو التجربة، لأن كل شيء يحتاج إلى العقل والعقل محتاج إلى التجربة ومضطر إليها غير مستغن عنها" (23). فقد وردت كلمة:"التجربة" ثلاث مرات، تقريباً، عبر النص الأول، ومرة واحدة مع النص الثاني، وكلها لم تخرج، كما هو واضح، من السياق عن معنى : الاختبار ،أو المعرفة. وما دون ذلك ، ترد الكلمة في الخطاب الشعري، على وجه التحديد، على نحو مقارب للكلمة، كما سنرى، وذلك بعد أن نقول بتأكيد الخطاب الشعري العربي القديم، بصورة أو بأخرى، على أهمية التجربة الشخصية للشاعر في إنتاج قصيدة فريدة، معبراً عن ذلك (أي الخطاب) بكلمة معاناة، عن كلمة التجربة، بالمفهوم الإبداعي المنبثقة عن موقف إنساني يمر به الشاعر نفسه. فهذا حازم القرطاجني الذي سيحصر التجربة ، مقتصراً إياها، على ما له علاقة بالنسيب، بعد أن أرجع براعة الشاعر في المعاني إلى المكان الذي نشأ فيه، والأمة التي استقى منها كلماته، والحافز في  تجويد النظم، وأخيراً، ما له علاقة بتجربة العشق،  على وجه الخصوص، حيث يقول  : "… فقلما برع  في المعاني من لم تنشئه بقعة فاضلة،  ولا في الألفاظ من لم ينشأ بين أمة فصيحة، ولا في جودة النظم من لم يحمله على مصابرة الخواطر في إعمال الروية الثقة بما يرجوه من تلقاء الدولة، ولا في رقة أسلوب النسيب من لم تشط به عن أحبابه رحلة ولا بشاهد موقف فرقه  " (24).

فمفهوم التجربة هنا، مع حازم، مثلما رأينا، سيتجاوز المعنى القاموسي  الذي أتى، مرة ، بمعنى الخبرة، ومرة ثانية، بمعنى الاختبار، أو العلم، في عموم الخطاب الثقافي القديم، بمفهوم  جديد هو : المعاناة الذي  (أي هذا الأخير) سيصبح، فيما بعد،  متداولاً في الخطاب الشعري المعاصر. لعل ابن قتيبة يقترب أكثر من ذلك حيث نقرأ في كتابه : (الشعر والشعراء ) أن " عبد الملك بن مروان قال لأرطأة بن سهية: هل تقول  الآن شعراً؟ فقال :كيف لا أقول وأنا ما اشرب ولا أطرب ولا أغضب، وإنما  يكون الشعر بواحدة من هذه" (25). وهو نفسه ما كان قد عبر عنه الشاعر المعاصربدر شاكر السياب بالتجارب الخارجية، في رسائله " إلى سيمون جارجي، أو إلى الشاعرتين آمال الزهاوي ونعوس الراوي، أو إلى جبرا ابراهيم جبرا: " لا أنقطع عن كتابة الشعر، إنه العزاء الوحيد الذي بقي لي. وإن كنت لا أكتب إلا بين فترات طويلة، المشكلة مشكلة تجارب، من أين تأتي التجارب الجديدة وأنا أعيش على هامش الحياة؟" (26).

2.2.1.  التجربة والفن

1.3.2.1. درس الحياة

وإذا كانت  التجربة الإنسانية  هي موضوع الشعر بأسره، فإن غاية الشعر" يجب أن تكون أيضاً الإنسانية جمعاء" (27).

لذا كان حرص الشعراء، والنقاد على أهمية المعنى في الشعر كبيراً. فالتجربة لا بد لها أن تصل من خلال اللغة كوسيط، بعد أن تم، افتراضاً، تجاوزها من قبل الشاعر في الواقع ( واقعه الحياتي) والشعري حيث منطقة الحلـم، على اعتبار أن التجربة في هذه الحالة ستصبح قصيدة وحينها ستكـون" شيئاً مختلفاً عن التجربة الأصلية"، (28) بدليل أنه سيصعب التعرف عليها. لماذا؟

يرى ماكليش، مجيباً ، أن السبب في ذلك يعود إلى طبيعة الفن الذي يجب أن "يتغلب  على التجربة لكي  يمتلك  ناصيتها" (29)، فمن غير المعقول أن يقدم الشاعر، وهو يقصد الفن، تجربته كما هي مباشرة للقارئ. فثمة أمور تستدعي أن لا يصرح بها الشاعر أثناء تقلبه في أتون حرائقه، وهزائمه. معاناته، وانكساراته. بمعنى آخر : ينبغي على الشاعر أن يقدم، معبراً، عن تجربته مهما كان نوعها، والمأساة على وجه التحديد، بأسلوب فذ لا فجاجة فيه ولا فشل، وهو ما يعتور غير الموهوبين،  ذلك " أن الفن  السقيم في كآبته هو فن غير مكتمل ولا متفوق" (30)، وهو ما عبر عنه ييتس  بـ "درس الحياة" (31) الذي يجب على الشعراء أن يتعلموه وهو أن  " الحياة مأساة ولكن إذا أصبحت المأساة فاجعة بالنسبة إليهم فسيصبحون شعراء كسيحين. إن أعينهم ، أعينهم القديمة اللامعة يجب أن تكون مرحة كأعين الصينيين القدامى في حجر اللازورد"(32).

وإذا كانت تجربة الشاعر هي مادة شعره، فإن تجربة القارئ، بالمقابل، هي ما صار من هذه المادة شعراً. فالشعر، كما هو، غير مادته قبل الصيرورة. وهو ما لا يحبذه أو يطيقه القارئ ولا يرغب في " النفاذ إلى حدس الشاعر لإدراك مطلق تجربته في  منابعها عند النظم"(33)، إذ  لا يهمه ذلك بقدر الأهمية التي يوليها للقصيدة الشعرية التي أصبحت أمامه كاملة مكتملة، مبرأة من عيوب اللحظة التي كان  الشاعر قد عاشها، تجربةً حية،ً أثناء مواجهته للعالم،الذي  سيمده إن نجح في المواجهة والعبور بقصيدته تلك. ولأن مجال التجربة هو كل الذوات، فإن الشاعر سيطالب بأن يتسامى بالتجربة من مجرد النظر في ذاته الداخلية إلى، ما سماه صلاح عبد الصبور، بالرؤية الخارجية، في محاولة لاتخاذ موقف من الوجود والموجود. وهو بهذا العمل سيتجاوز ذلك الفهم الضيق لمفهوم التجربة، بإضافته إلى مدلولها العاطفي الشخصي، معنى فنياً وفلسفياً، يؤثر في رؤيته "للكون والكائنات فضلاً عن الأحداث المعاينة التي تدفع  الشاعر أو الفنان إلى التفكير وهي بهذا المعنى أكبر وجوداً وأوسع عالماً من الذوات، وإن كان مجال عملها هي الذات " (34).

ومع ذلك فإن نجاح القصيدة الشعرية كتجربة رهين بالمتلقي الذي لا تقل، افتراضاً، تجربته عند قراءة القصيدة أهمية عن التجربة الحية الحقيقية التي كان قد خاضها الشاعر، على اعتبار  أن" قراءة الشعر هي أيضاً تجربة أخرى سواء أكان الأمر متعلقاً بالشاعر أو بغيره" (35) حتى في حالة قصور تجربة القارئ عن استيعاب، في غالب الأحيان، ومع الشاعر نفسه، التجربة بالذات، أو ما يمكن أن تكون عليه كقصيدة عظمة كونها"تحنوي إمكانات من تجارب أكثر مما يمكن أن يستخلصه قارئ واحد منها" (36) .

ولعلنا، بذلك، نتفهم  مقولة ريلكة،  بهذا الصدد التي يقول فيها : " لأجل كتابة بيت واحد، علينا أن نكون شاهدنا كثيراً من المدن، والناس والأشياء" (37).

وعلى صعيد آخر، يرى جاكوب كورك أنه" ينبغي لإدخال عوالم جديدة في مجال التجربة أن  نتنبه للشكل والتكنيك" (38)،  كمهمة أساسية،  على الشاعر الذي، بالضرورة، تنشأ بذلك معه طريقته الخاصة التي يستطيع – على نحو مغاير- التعبير عن تجربته ومداراتها ومتى ما كشفت التجربة التي لا يمكن أن تتحقق إلا في النص، كقصيدة ، عن ذات الشاعر الذي، في كل مرة، يؤكد نفسه فيها،  من حيث هو  "أنا" بالنسبة إلى "أنت"، وإلى "هو" (…) وما أن يظهر ضمير المخاطب "أنا" في قول ما يوحي  فيه صراحةً، أو بشكل مبطن- بوجود الضمير"أنت" بحيث يتعارضان سوية مع الضمير "هو" حتى  تفرض تجربة إنسانية جديدة نفسها وتكشف الآلة اللسانية التي تؤسسها" (39)، وذلك عند "اندماج المتكلم في لحظة جديدة من الزمن وفي نسيج مختلف الظروف والخطابات…، وهي أشكال نرى فيها التجربة الذاتية للأشخاص  الذين يؤكدون ذاتهم، ويموقعون أنفسهم في اللغة ومن  خلالها" (40).

حتما هين وإيقاع ما عناه ريتشارد "بالغة المحكية"(41)، أو اللغة المعاصرة."فثمة قصائد تحركنا موسيقاها أولاً، ويصلنا معناها بطريقة لا شعورية"(42) . الأمر الذي "لا يحمل السامع أو القارئ على القول:"هكذا ينبغي أن أتكلم لو أمكنني التكلم شعراً".(43)

وذلك باختلافهم لا على الصعيد الشكل فحسب، وإنما على صعيد القدرة على إبداع شروط جديدة للوجود الشعري، عبر تجربة عيش فريدة، يحياها الشاعر جسداً وروحاً، ويتمثلها، فيما بعد، شعراً، متجاوزاً المفاهيم السائدة بمفاهيم جديدة للشعر ونظرتنا إليه، وإلى الأشياء من حولنا عبره. وإذا ما تم للقصيدة الشعرية تحقيق ذلك، فإنها ستصبح تجربة لها الحق في أن لا تستنفر جسداً بكامله فحسب، بل وتستنفر ثقافةً ومجتمعاً بكاملهما(44).

سنعالج كل ذلك بشيء من التفصيل من خلال العنصر التالي.

2. تصنيف التجربة الشعرية

1.2.  شروط تحقيق التجربة عند الشاعر

انشغل الشاعريون، قديماً وحديثاً، في كل الثقافات الإنسانية بالشعر أكثر من انشغالهم بالشاعر إلا عندما بدأوا البحث في الشعر كماهية على نحو ما تقدمت الإشارة إليه،  في الفصل السابق والخاص بماهية الشعر، وذلك بانتقالهم من الموضوع إلى الذات (أي الشاعر) الذي سيتفق الجميع على أن تسميته- خصوصاً عند العرب- قد جاءت  من خلال تفرده بمزايا قد لا تتحقق عند غيره في أحسن الظروف. يقول ابن رشيق: "وإنما سمي الشاعر شاعراً، لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره" (45).

          وما دام الإبداع  هو الخاصية المميزة للشاعر، فإن ما سوف يبدعه بالضرورة يعود، أساساً، إلى اعتماده على " فطنته الخاصة" (46).  لكن، هل يكفي اعتماد الشاعر على فطنته، وذكائه، لكي يقدم عملاً شعرياً كبيراً ؟.

          لا نعتقد ذلك، إذ أن ثمة أشياء لابد للشاعر أن يتعلمها، بجانب الموهبة، على افتراض وجودها، على نحو قطعي، لتنمية قدراته على استيعاب العالم من حوله، والطريقة في مواجهته باعتباره مفتوحاً عليه، ومنفتحاً له عبر  تجارب استثنائية لا نستطيع تفسيرها، على نحو علمي، إلا في ضوء المفاهيم التي تقدمها لنا البحوث الخاصة بسيكولوجيا الإبداع. يقول ابن رشيق، عبر نص طويل: "الشاعر مأخوذ بكل علم، مطلوب بكل مكرمة، لاتساع الشعر واحتماله كل ما يحتمل: من نحو، ولغة، وفقه،  وحساب، وخبر، وفريضة، واحتياج أكثر هذه العلوم إلى شهادته، وهو مكتف بذاته، مستغن عما سواه، ولأنه قيد الأخبار، وتجديد الآثار، وصاحبه الذي يذم، ويحمد، ويهجو، ويمدح، ويعرف ما يأتي الناس من محاسن الأشياء، وما يذرونه فهو على نفسه شاهد، وبحجته مأخوذ، وليأخذ نفسه بحفظ الشعر والخبر، ومعرفة النسب، وأيام العرب، ليستعمل ذلك فيما يريده من ذكر الآثار. وضرب الأمثال، وليعلق بنفسه بعد أنفاسهم، ويقوي طبعه بقوة طباعهم، فقد وجدنا الشاعر من المطبوعين المتقدمين يفضل  أصحابه برواية الشعر،  ومعرفة الأخبار والتلمذة لمن فوقه من الشعراء،  فيقولون : فلان شاعر راوية، يريدون أنه إذا كان راوية، عرف المقاصد، وسهل عليه مأخذ  الشعر، ولم يطق به المذاهب، وإذا كان مطبوعاً لا علم له ولا رواية، ضل، واهتدى من حيث لا يعلم،  وربما طلب المعنى، فلم يصل إليه، وهو  ماثل بين  يديه لضعف آلته" (47).

          وهو نص ( أي نص ابن رشيق السالف) ينفتح على التصورات العربية والأجنبية، بهذا الخصوص، لتعدد المساءل والقضايا التي طرقها على نحو مركز كالمعرفة، والتعالق، والرواية،  والمطبوع في مقابل المصنوع، وغير ذلك من الأدوات التي  نجدها على نحو رئيس في تعريف ت.س. إليوت للشاعر من خلال اللغة كأداة. فالشاعر: " ليس شخصية يعبر عنها، بل لديه أداة خاصة،  ولا ريب في أن الأداة التي يستعملها الشاعر هي اللغة" (48) لا على سبيل امتلاكها إذ يشترك في امتلاكها معه الآخرون، وإنما في تميزه دونهم بالقدرة في" إثارة الإعجاب عن طريق طاقات الكلمات" (49)، أو ما عبر عنه جون كوهن، حين أرجع عبقرية الشاعر كلها إلى الإبداع اللغوي، فالشاعر " بقوله لا بتفكيره وإحساسه، إنه خالق كلمات، وليس خالق أفكار، وترجع عبقريته كلها إلى الإبــداع اللغوي" (50)،

          في ضوء- بطبيعة الحال- القواعد التي تمليها اللغة المستعملة إبداعاً، من حيث الكلمات كدوال في علاقتها عن طريق الدليل بالمدلول لإنتاج الدلالة- حسب جون كوهن نفسه ، أومن خلال احترامه للسنن التي لا يمكن أن يخرج عليها الشاعر بدعوى الحرية في الإبداع، التي تتنافى  والمفاهيم المغلوطة التي كانت سائدة، وتسود بدعاوى جديدة نكتفي،  إذ لا داعي للاستطراد في هذا الموضوع الشائك، بما كان كالفينو قد أورده  في (كتاب الوصايا) عن كيونو، بهذا الخصوص: "كتب كيونو مبكراً عندما كان يتشاجر مع كتابة السرياليين والأتوماتيكية: هنالك فكرة خاطئة  تشيع الآن أيضاً، هي إقامة تعادل بين الإلهام واستكشاف اللاوعي وبين الحرية، بين الصدفة والأتوماتيكية وبين الحرية. هذا النوع من الإلهام الذي يتضمن طاعةً عمياء لكل حافز هو في واقع الأمر عبودية. الكاتب الكلاسيكي الذي كتب تراجيدياته وعينه  على عدد معين من القواعد المعروفة  أكثر حرية من الشاعر الذي يكتب ما يتوارد على ذهنه وهو عبد لقواعد أخرى لا يعرف عنها شيئاً "(51)،

          لنقول أن الشاعر الحقيقي لا يرى في القواعد حاجزاً أو عائقاً، من حيث يرى حريته في وجودها، والإبداع من خلالها، نظراً لما يتمتع به من إمكانيات كالقـدرة علـى إدراك، ما عبر عنه لوكاش، بالتجانس الكوني من خلال اللاتجانس، بقوله: " إن المرء إذا أراد أن يرى  هذا التجانس الكوني فإن عليه أولاً أن يرى الكون، ولن يتمكن أحد من أن يقرأ الشعر، ناهيك عن أن ينظمه، إن لم يستطع أو لم يشأ أن يتغلغل برؤيته إلى تلك الأبعاد. وكذلك فإن المرء لا يستطيع أبداً أن يصبح ناظماً للقصائد، أو قارئاً صحيحاً لها إن كان، لدى رؤيته لها، يعمي عينيه عن تجانس اللاتجانس لأنه لا يود للأشياء غير المتجانسة أن تتلامس، ولا يستطيع تحمل فكرة تماسها وتلامسها " (52).

          أو في القدرة على المجانسة، أثناء النظم، على نحو خارق،  من حيث السرعة في انتقال الخاطر ما بين الخيالات، والكلمات في أدق تفاصيلها  حيث يكتمل النسيج دونما خرق للسنن أو القواعد. وهو ما كان قد عبر عنه حازم القرطاجني بقوله : " وقد يحصل للشاعر بالطبع البارع وكثرة المزاولة ملكة يكون بها انتقال خاطره في هذه الخيالات أسرع شيء حتى يكسب من سرعة الخاطر أنه لم  يشغل فكره بملاحظة  هذه الخيالات، وإن كانت لا تتحصل له  إلا بملاحظتها ولو مخالسة وكانت هذه الملكة  نحواً من ملكة الخاطر، فإنه وإن كان أصل  تعلمه القراءة تتبع الحروف وحركاتها وسكناتها مقطعة، فإنه تحصل له ملكة لا يحتاج معها إلى ذلك التتبع، بل يعلم عندما يقع بصره على مجموع الحروف المختطة أي لفظ يدل  عليه ذلك المجموع، هذا على أن صناعة مؤلف الكلام كصناعة الناسج، تارة ينسج برداً من  يومه وتارة  حلة من عامه، ولكل قيمته. وإنما يظن أن ليس بين أنماط الكلام هذا التفاوت. من  جهل لطائف الكلام وخفيت عليه أسرار النظم"(53).

          أو في القدرة، بالإضافة إلى ما سبق، على وجه التعدد، على أن " يأسر السماء والأرض داخل قفص الشكل" (54) إن جاز لنا القول ، على حد لوكاش.



2.2. الشاعر مبدعاً

1.2.2. الشعراء والتجديد في اللغة

قال وردزورث "في قسم سابق في المقدمة: الشاعر إنسان يتحدث إلى إنسان "(55)، إذ من المستحيل أن  يكون الشاعر قد قصد غيره برسالته فهو مجال تجربته، والغاية من إبداعه، ونظراً لأهمية الشاعر من خلال الدور الخطير، المنوط به، كما سنرى، فقد  رأى الأقدمون إليه على أنه" صخرة الدفاع عن الطبيعة البشرية"(56)، وربما هذه الرؤية المجازية تعود حسب ديفد ديتشس " بفضل تحقيقه نوعاً  من الإدراك، ينقذ الإنسان من التفاهة والأنانية وذلك بتبيان أهمية العطف، وجلاء علاقة التجربة الفردية بمجموع الحياة. والشاعر يربط بين أطراف امبراطورية المجتمع الإنساني، بالكشف عن القوانين النفسية العامة التي تختفي وراء كل  شعور وحساسية، وهذا الكشف لا يتم  بطريقة البحث التجريدي بل بتبيان القوانين الأولية للطبيعة البشرية، وذلك من خلال الأمثلة الملموسة المقنعة التي قد تستمد من  تجربة إنسان وضيع أو حتى  إنسان أبله  أو  من تجربة راع أو جامع علق أو طفل أخرق. فالشاعر يكشف عن علاقة الإنسان  بأخيه الإنسان وبالعالم الخارجي"(57).

بالإضافة إلى ما يقوم به الشاعر من دور حيوي في تجديد اللغة، إذ لولا الشعراء،  لأصبحت اللغة  معطلة من الصور لأفكار متماسكة ومتكاملة، على حد شيللي، الذي  زعم في "دفاع عن الشعر A defence of poetry " أن جميع أنواع القول، في طفولة العالم، كانت ضرباً من الشعر. إن لغتهم (  أي البدائيون) كانت مجازية بالضرورة، أي أنها كانت ترصد العلاقات التي لم تكن مدركة بين الأشياء، ثم تضفي صفة الاستمرار على هذا الإدراك حتى تغدو تلك الكلمات التي يمثلها مع الزمن دلالات على فئات أو طبقات من الأفكار، بدلاً من أن تكون صوراً لأفكار متماسكة ومتكاملة. وإذا لم تظهر بعد ذلك  طبقة من الشعراء تجدد  هذه الروابط التي منيت بالاضطراب،  فإن اللغة تغدو أداة معطلة عاجزة عن أداء ما في ضروب التخاطب الإنساني من أغراض نبيلة" (58).

ولقد ذهب وردزورث وكولردج إلى أبعد من دور الشعراء في تجديد اللغة، حين بدأت دعوتهما من خلال الشعر حتى وصلت أقصى درجات المبالغة التي  جسدتها عبارة شيلي الشهيرة:" إن الشعراء هم مشرعو الجنس البشري غير المعترف بهم" (59).

والواضح أن هذه العبارة بقدر ما تحمله  من مبالغة، إذ لا يمكن لها أن ترقى على أي وجه، كحقيقة،إلا أن لها امتداداً في العصور القديمة، من حيث ما كان شائعاً كمفهوم للشاعر، وبدليل أنها لا تتصادم مع اللقب الذي كان قد خلعه الإغريق والرومان  على الشاعر، فهو " قسيم الكاهن أو العراف أو النبي. والشعر قد يكون سماوياً ( وهذا لا يعني أنه يجب أن يكون كذلك) وهذا يتجلى لنا من مزامير داوود "(60).

وبعيداً عن رؤية القدماء إلى الشاعر، على الرغم من واقعيتها في زمنها والنسق الثقافي المنتج لها أثناء ما كان يؤدي الشاعر  دور الحكيم، أو الكاهن، أو النبي فإنه- بجانب تجديده اللغة- هو " الذي يساعد بصورة واضحة في المحافظة على الثقافة ورفع مستواها "(61).

ومن جانب مغاير فما من " أناس وصلوا  إلى العظمة دون أن يكون لديهم شعراء"(62). وهو ما يذكرنا بشواهد حية في ثقافتنا العربية القديمة، كالمتنبي وأضرابه من الشعراء الذين كانوا قد ظهروا كفاعلين ومعبرين لأناس وصلوا إلى العظمة – حسب أليوت. وفي الوقت الذي يكون ظهور الشعراء دلالة على تقدم الأمم، نرى أنه ليس ثمة مانع من أن ينوجد الشعراء في الأمم المتخلفة، على الرغم من أهمية العنصر الاقتصادي، في تحقيق نوع من الاستقرار الحياتي للمبدعين، ومن ثم انصرافهم إلى  الإبداع بجانب بقية العناصر التي لها علاقة بالثقافة، والحريات.. وإذا كان الإبداع يشمل كل المجالات الإنسانية  فإن سدني يخص إطلاق كلمة المبدع قصراً على الشاعر دون سواه مبرراً ذلك بقوله عبر نص طويل نسبياً نثبته هنا لطرافة وأهمية الأفكار فيه: " ليس ثمة فن وضع بين  أيدي البشر  إلا ويستمد من أعمال الطبيعة موضوعه الأساس. ولا يمكن أن توجد  هذه الفنون إلا بهذه الأعمال وهي تعتمد عليها بحيث تصبح ممثلة أو محاكية لما وضعته الطبيعة أمامها. فالعالم الفلكي يتأمل النجوم، واعتماداً على ما يرى،  يسجل النظام الذي وضعته الطبيعة هناك. وهكذا يفعل العالم الهندسي والرياضي في أنواع الكميات المختلفة  عندهما. وهكذا يخبرك الموسيقي بالتوقيعات الزمنية، فيبين لك أيها تتفق مع الطبيعة وأيها لا تتفق. والفيلسوف الطبيعي يستمد لقبه من هناك، والفيلسوف الأخلاقي يقف على الفضائل الطبيعية والرذائل والشهوات في الإنسان… ورجل القانون يقول بما أقره الناس. والمؤرخ يتحدث عما فعلوه، وعالم اللغة  يتحدث فقط عن قواعد الكلام. وعالم البلاغة والمنطقي يتأملان ما يضمن الرهان والإقناع السريع في الطبيعة.  وبناء عليه يضعان القواعد المصطنعة التي تظل محصورة في نطاق دائرة السؤال ( نابعة من صلب الموضوع)، وفقاً للمسألة المطروحة. والطبيب يقدر طبيعة الجسم البشري، وطبيعة الأشياء التي تفيده أو تضر به والميتافيزيقي… مع أنه يختص بما وراء الطبيعة، يبني أحكامه على ما يستخرجه من أغوار الطبيعة.  ولكن الشاعر وحده، بتأبيه على أن يكون  مقيداً بأي قيد، ومعتمداً على قوة الإبداع  عنده، يكون طبيعة أخرى، وذلك بجعله الأشياء خيراً مماهي عليه في الطبيعة، كالأبطال وأنصاف الآلهة  والسيكلوبس والخيمايرا والفيورى وما إلى ذلك، وهكذا عندما يسير جنباً إلى جنب مع الطبيعة، لا يقيد نفسه بما تقتره عليه من هباتها، ولكنه يدور في فلك فطنته الخاصة " (63).

وبالرغم من أهمية ما طرحه سدني بشأن استحقاق الشاعر على نحو التحديد لصفة "المبدع"، انطلاقاً من مقارنته بالآخرين من الموهوبين إلا أن ثمة ما يمكن ملاحظته، فقد غاب عن سدني أن الشاعر رهين بوجود اللغة التي لم يخلقها من العدم، إذ هي المادة التي بها- وفي  ضوء القواعد - ينشئ العوالم والأشياء، كما هو الطين بالنسبة للنحات، أو اللون للرسام..، فهو يبني بما هو قائم، وإن ظلت ثمة فروق بينه والآخرين من حيث طبيعة الإبداع، والآليات المؤدية إلى ذلك، فثمة خاصية  عامة تجمعهم يتصفون بها، وينطلقون عليها  " تبتدئ في مدى السهولة واليسر في إعادة ترتيب عناصر سابقة في صياغة جديدة نظراً لما يتمتعون به من حساسية مرهفة، وقدرة على الإدراك الدقيق للثغرات، والإحساس بالمشكلات وإثارتها مثل أن يثير منظر غروب الشمس للشاعر، أو سقوط تفاحة للعالم المبدع على عكس من الإنسان العادي الذي لا يتمتع بما للمبدع من قدرة في استكناه الأشياء، أو استنباط الخفايا، واستدراك الأسرار" (64).

وعلى كل، فإن " عظمة الشاعر تكمن في تطبيقه القوي والجميل للأفكار عن  الحياة"(65) ـ حسب أرنولد.

2.2.2. مفهوم الإبداع :

ولكي  تتضح الرؤية أكثر، يبدو أنه من الضروري العودة إلى قراءة البحوث المتعلقة بالإبداع  لتحديده، في ضوء المفاهيم التي تقدمها لنا السيكولوجيا كعلم، ليس  هنا مكانه، وإن كان ولابد، حيث لم يكتمل الموضوع على النحو الذي نراه مرضياً، فسنكتفي بالإشارة إلى بعض الأفكار التي تهمنا في هذا السياق، إذ يكفي- بهذا الشأن- أن نشير، هنا، إلى أن بعض العلماء كانوا قد قصدوا به، من حيث أرجعوه إلى " المقدرة Ability على خلق شيء جديد أو مبتكر Novel تماماً وإخراجه إلى حيز الوجود بينما يقصد البعض الآخر من الكلمة " العملية Process أو العمليات- وخصوصاً السيكولوجية- التي يتم بها خلق وابتكار ذلك الشيء الجديد  ذي القيمة العالية، وذلك في الوقت الذي ينظر فيه فريق ثالث إلى  الإبداع في حدود العمل الإبداعي ذاته أو المحصلة أو  الناتج الذي ينشأ عن " القدرة" على الابتكار، وعن العملية الإبداعية التي تؤدي في آخر  الأمر إلى إنجاز ذلك  العمل الإبداعي وتحقيقه. وثمة تعريفات، أو على الأصح مواقف أخرى ووجهات نظر مختلفة إلى الموضوع تكشف عن مدى تشعبه وتعقده..وهذا هو ما يقصده دونالد ماكينون الذي يعتبر من أهم من كتب عن الجوانب السيكولوجية للإبداع حين يقول: إن مفهوم الإبداع ليس مجرد هيكل نظري وإنما هو قاعدة أو مبدأ عام تندرج تحته كثير من الأمور التقويمية. وماكينون نفسه يميز بين أربعة مظاهر أو جوانب أساسية للإبداع، ويرى أنه لا يمكن دراسة الموضوع إلا إذا أحطنا بها إحاطة شاملة لأنها تتداخل وتتكامل معاً لكي  تؤلف الظاهرة الإبداعية. وهذه الجوانب أو  المظاهر الأربعة هي:

أ- العمل الإبداعي أو المحصلة الإبداعية.

ب- العملية الإبداعية.

ج- الشخص المبدع.

د- الموقف الإبداعي.(66)

وإلى هذا الأخير تنسب الظروف الاجتماعية التي تحيط بالمبدع، وبالإنتاج، وبالعملية الإبداعية. فالإبداع- بناء على ما تقدم- هو الابتكار، ولذلك يسمى الشاعر مبدعاً، لا من حيث قدرته على نظم الشعر بمقاييسه المعروفة وحسب، وإنما بنظمه على  وجه الاختلاف في الجدة، والفرادة، والتميز، والمغايرة.

3. كيف تتم  العملية الإبداعية

1.3. متطلبات الشاعر المبدع

يرى جونسون أن توفر القدرة للشاعر على المحاكاة في تحويل مادة  شعراء آخرين إلى استخدامـه الشخصي(67) واحد من متطلبات الشاعر المبدع بصفة عامة، وإن كان قد تقدمها ما كان قد عبر عنه بسلامة القريحة، والتمرين المستمر (68)، بالإضافة إلى تمتعه بحيازة " شيء يريد  قوله، وتلك حقيقة كثيراً ما يتجاهلها أولئك الذين يرغبون في تعلم الكتابة، أو أولئك الذين يحاولون تعليم الكتابة" (69)، أو على نحو مغاير، قدرته في رؤية الجمال والقبح والتمييز بينهما في الآن ذاته، ومن ثم إيصال ما يشاهده شعرياً بما عبر عنه الجرجاني بـ " عين العقل أو القلب"،(70) بحيث تصبح اللغة جزءاً منه، لا أن يكون جزءاً مألوفاً  منها، إذ أن " الأساس هو الشاعر لا الشعر" (71).

وبغير هذا التصور، وإن كان على نحو أولي، لا يمكن لنا الحديث، افتراضاً، عن إمكانية وجود عمل ناجح، علاوة على وجود الشاعر المبدع نفسه.

ومع ذلك، فثمة سؤال جوهري لا بد من التعرض له، هنا، لاستكمال الفائدة، وهو: ما الذي يحدث للشاعر قبل، وأثناء، وبعد كتابته القصيدة ؟

يقول دريدان: " إن أول ما يحدث في مخيلة الشاعر على وجه الدقة هو الاختراع أو إيجاد الفكرة يليها الوهم أو التنويع أو تطويع تلك الفكرة لتتناسب مع الموضوع أما  في المرحلة الثالثة فتكون الصياغة أو مرحلة الباس الفكرة وتجميلها  بكل ما طرأ عليها من تغيير تظهر سرعة النهاية في إطار من الكلمات المعقولة ذات الأهمية. وهكذا تظهر سرعة المخيلة في الاختراع كما تظهر الخصوبة في الفهم وتظهر الدقة في التعبير" (72).

نكتفي بهذا المقطع، الذي كان قد اقتطفه ت.س. أليوت، من مقال طويل لدريدان، تحت عنوان: كيف يكتب الشعر؟ دون أن نعلق عليه، فهو واضح، بحيث ننصرف إلى جاكوب كورك الذي سيمنحنا فسحة في تأمل الحالة الخلاقة عند الشاعر، وعلى نحو مغاير، حيث يقول: " وإذ تتميز الحالة الإبداعية الناتجة بالانبثاق المباشر والسرعة والغرابة، يتحتم على  الشاعر أن لا يتردد في تصوير إحساسه بكل صراحة وأن يثق في تفهم الآخرين له. فالحالة الخلاقة إنما تهجم عليه بقوة حازمة مسيطرة فتنقض  على طرائف تفكيره المعتاد وترفض التقولب بالقوالب المألوفة، هنا تنشط الأحاسيس جنبا إلى جنب، يتشابكان ولا يستطيع الشاعر أن يميز بينهما فيضطر إلى إبراز شكلهما الموحد في لحظة من الإشراقة الخلاقة، ربما نعتقد في هذه الحالة أن أفكار  الشاعر تتقمص وضعاً مجازياً، غير أن هذا يؤدي إلى إساءة فهمه، الحقيقة أن مشاعره تتغلغل في داخل أفكاره إلى حد يشكل الإثنان فيه كلاً واحداً " (73).

 2.3 . الجسد المفهومي للشعر وعلاقته بالكتابة

وفي الشعرية العربية القديمة ينفتح الخطاب، أثناء إشارته إلى الجسد، في علاقته بالعملية الإبداعية على تجارب مسكوت عنها، أو مهملة من حيث لم يكن للشاعريين القدماء الاهتمام بها على نحو ما أدركه المعاصرون حين رأوا إلى الجسد من خلال علاقته بالشعر، وأهمية ذلك على مستوى التجربة من حيث الاختلاف، وذلك عند التحليل. نقرأ لابن قتيبة، " وقيل لكثير : يا أبا صخر كيف تصنع إذا عسر عليك قول الشعر؟ قال: أطوف في الرباع المخلية والرياض‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏ المعشبة، فيسهل علي أرصنه، ويسرع إلي أحسنه" (74). ولابن رشيق، الذي سيتوسع بهذا الخصوص، بروايته لحالة أربعة من أهم الشعراء، نقرأ:  " وقالوا: كان جرير إذا أراد أن يؤبد قصيدة صنعها ليلاً: يشعل سراجه ويعتزل أهله، قيل : وربما علا السطح وحده، فاضطجع، وغطى رأسه، رغبةً في الخلوة بنفسه(…) وروي أن الفرزدق كان إذا صعبت عليه صنعة الشعر ركب ناقته، وطاف خالياً منفرداً وحده في شعاب الجبال وبطون الأودية والأماكن الخربة الخالية، فيعطيه الكلام قياده(…) وقيل لأبي نواس: كيف عملك حين تصنع الشعر ؟ قال: أشرب حتى إذا ما كنت أطيب ما أكون نفساً بين الصاحي والسكران، صنعت، وقد داخلي النشاط وهزتني الأريحية (…) وكان أبو تمام يكره نفسه على العمل حتى يظهر ذلك في شعره. حكى بعض أصحابه، قال: استأذنت عليه – وكان لا يستتر عني- فأذن لي، فدخلت، فإذا هو في بيت مصهرج، قد غسل بالماء يتقلب يميناً وشمالاً، فقلت، لقد بلغ الحر منك مبلغاً شديداً ، ثم قال : لا، ولكن غيره، فمكث ساعةً، ثم قام كأنما أطلق من عقال، وقال: الآن، الآن، ثم استمد، وكتب شيئاً لا أعرفه، ثم قال: أتدري ما كنت فيه؟ قلت: كلا، قال: قول أبي نواس:

                      كالدهر فيه شراسة وليان

أردت معناه، فشمس علي، حتى أمكن الله منه (…) على أن مثل حكاية أبي تمام، وأشد منها، قد وقعت لمن لا يتهم وهو جرير: صنع الفرزدق شعراً يقول فيه:

                      فإني أنا الموت الذي هو ذاهب.. بنفسك، فانظر كيف أنت محاوله

وحلف بالطلاق أن جريراً لا يغلبه فيه. فكان جرير يتمرغ في الرمضاء، ويقول أنا أبو حرزة، حتى قال في أبيات مشهورة:

                      أنا الدهر: يفنى الموت والدهر خالد

                                                          فجئني بمثل الدهر شيئاً يطاولـه (75)

وعلى الرغم من ضعف الشواهد المعنية بالتجربة، وكون ذلك لا يهمنا الآن على الأقل، إلا أن لهذه الروايات أهمية من حيث إفصاحها عن علاقة الجسد بالشعر. وإن كان الشاعريون القدماء لم يفطنوا إلى ما كان قد أخذ بعداً مغايراً ، فيما هذه عند الشاعريين المعاصرين، تحت ما اصطلح عليه بالجسد المفهومي وعلاقته بالكتابة الشعرية، باعتبار هذه الأخيرة لا تتبرأ من جسد كاتبها حيث أن "النص الشعري، وداله الأكبر الإيقاع، فعل جسد حي وواقعي" (76)، " إنتاج بالحواس كلها" (77).

- على حد محمد بنيس، الذي رأى إلى المسألة من زاوية مغايرة ينتقل فيها " جسد الشاعر من وضعية الموات والالتئام إلى حالة الحياة والحساسية، من الخضوع لضوابط مؤسسات الإخضاع إلى دبيب المتعة الفيسيولوجية "(78) أو ما كان قد عبر عنه، في مكان آخر ، باستنطاق " حالة الذات الكاتبة وهي تنتقل من الموات إلى الحياة بصورها اللانهائية، كشرط من شرائط الإنتاج النصي"(79)، وربط كل ذلك بالإيقاع كعنصر مؤسس للنص الشعري " في الوقت نفسه الذي هو مؤسس للذات الكاتبة "(80).

3.3. مفهوم القصيدة العظيمة 

1.3.3. تصنيف التجربة الشعرية من خلال الشعراء

سبق للشاعريين القدماء، أن تأملوا الشعر من خلال استقرائهم لبعض التجارب الشعرية الهامة، بغرض الخروج بنتائج،أحياناً، كانت مرضية للذوق العام، وأحياناً لم تكن كذلك بسبب ما كان سائداً في الانتصار لمذهب معين، أو مدرسة معروفة من حيث ما كان قد اصطلح عليه بـ " القدامة في مقابل الحداثة"، أو بالمصنوع مقابل بالمطبوع، وهكذا. هذا وقد اختلفت الرؤى إلى الشعر، بصفة عامة، لاختلاف المقاييس. فهذا، مثلاً، ابن قتيبة الذي كان قد تدبر الشعر فوجده -حسب قوله- على أربعة أضرب:

" ضرب منه حسن لفظه وجاد معناه (…) وضرب منه حسن لفظه وحلا، فإذا أنت فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى (…) وضرب منه جاد معناه وقصرت ألفاظه عنه (…) وضرب منه تأخر معناه وتأخر لفظه". (81) وهي رؤية سليمة، قياساً، بالرؤية التي كانت عند المواعيني، من قبل، في كتابه : "الريحان والريعان" حين قسم الشعر، من باب منحى التعبير فيه إلى:

" 1- الشعر المتين الصلب

  2- الشعر الغامض كشعر العتابي وابن نباته والهذليين

  3- الشعر الرطب السهل كشعر البحتري وأبي العتاهية وعمر، وهو المطمع الممتنع "(82).

وذلك لاستنادها إلى معيار " اللفظ و المعنى"، على الرغم من محدوديته، في تقييم التجارب الشعرية، لاقتصاره على أكثر من عنصر شكلي منها. وإن كان المواعيني نفسه قد انطلق من معيار معين، على نحو تأويلنا اشارته، بالمتين الصلب: المصنوع في مقابل المطبوع الذي (أي هذا الأخير) كان قد عبر عنه بالشعر الرطب السهل، بدليل ضربه بالبحتري مثلاً، ولعل أقدم تقسيم للشعر ماكان قد ورد على لسان قدامة بن جعفر ف: " هناك شعر جيد في غاية الجودة، وهناك بالمقابـل شعر رديء في غاية الرداءة، وهناك وسط لا جيــد ولا رديء" (83).

بهذا التقسيم، الذي يقوم على نقد القيمة، يكون قدامة قد فتح الباب على مصراعيه لنقاش وجدال طويلين كان قد خاضه  الشاعريون إلى الامتداد في غياب المقاييس حيناً، ووجودها حيناً آخر على الرغم من حضور الشاهد في كل العصور.

2.3.3. تصنيف الشعراء من خلال التجربة الشعرية

ومثلما حاول الشاعريون تصنيف الشعر من خلال متون الشعراء، للوصول إلى حقيقة القصيدة العظيمة، فقد حاولوا ذلك- وعلى نحو مغاير- عبر تصنيفهم الشعراء،إذ لافرق ـ كما يبدو لنا منطقياً ـ بين الشاعر والقصيدة. لعل الأصمعي في الشعرية العربية القديمة كان  من أوائل الذين فطنوا إلى أهمية ذلك، كخطوة متقدمة للوصول إلى نتائج أعمق مما كان سائداً ومألوفاً في تناولات  النقاد للجزئيات من القصيدة الشعرية، أو في تعميمهم الأحكام التي قد لا تمس من الإبداع بالنقد سوى السطح منه. وهو ما سيجري عليه تقليداً الكثير من الشاعريين فيما بعد. فالشعراء عند الأصمعي ثلاثة، هم:



1-      الشعراء السود

2-      الشعراء الفرسان

3-      الشعراء الصعاليك

والأصمعي في تواضعه على تصنيف الشعراء بهذا التقسيم، سيرى أن ثمة أسساً بارزةً تتحكم بشكل مباشر في إنتاج القصيدة الشعرية، علاوة على محاولته بذلك في تحديد خصائصها، وتعداد عناصرها ومعياره في ذلك هو الفحولة(84).

من بعد الأصمعي، سيأتي ابن سلام، ليتوسع، منوعا،ً تصنيفه للشعراء في اعتماده، تارةً، على الزمن (مثلما هو عند طبقات الجاهليين)، أو في إحالته، تارةً ثانيةً، إياهم إلى أغراض قصائدهم، أو من خلال، تارة ثالثة، المكان، أو عبر العقيدة، مثلما حصل له مع الشعراء اليهود ، فالإسلاميين، منطلقاً في كل ذلك من مقياس الكثرة والتعدد، مع تغليب الكثرة أحياناً على الجودة(85).

وحتى يجيء ابن قتيبة الذي سيقلص عدد الطبقات من عشر- كما عدها ابن سلام- إلى أربع طبقات تقوم جميعها على مفهوم الأزمنة. يقول ابن رشيق إن " طبقات الشعراء أربع: جاهلي قديم، ومخضرم، وهو الذي أدرك الجاهلية والإسلام وإسلامي، ومحدث، ثم صار المحدثون طبقات أولى وثانية على التدريج، هكذا في الهبوط إلى وقتنا هذا" (86).

والواضح أن لا جديد في هذا التقسيم سوى ما يتعلق برؤيته إلى المحدثين، كمنزلة أدنى، وإن تميزوا بالغموض والرقة في تجاربهم الشعرية.

وفي موضع آخر، على وجه مغاير، سيصنف ابن رشيق الشعراء إلى أربعة وهم:"

1-      شاعر خنذيذ وهو الذي يجمع إلى جودة شعره رواية الجيد من شعر غيره.

2-      وشاعر مفلق، وهو الذي لا رواية له، إلا أنه مجود كالخنذيذ في شعره.

3-      وشاعر فقط، وهو الذي فوق الرديء بدرجة.

4-      وشعرور، وهو الذي لا شيء" (87).

ولا نجد أي تفسير لمسألة تميز الأول عن الثاني في هذا التصنيف إلا ما كان عبر عنه ابن رشيق نفسه، عبر نص طويل سبق لنا الاستشهاد به، في سياق ما ينبغي للشاعر أن يتعلمه، صقلاً، لموهبته، حين قال : " فقد وجدنا الشاعر من المطبوعين المتقدمين يفضل أصحابه برواية الشعر، (…) فيقولون: فلان شاعر راوية، يريدون أنه كان راوية، عرف، المقاصد، وسهل عليه مأخذ الشعر، ولم يضق به المذاهب، وإذا كان مطبوعاً لا علم له ولا رواية، ضل، واهتدى من حيث لا يعلم، وربما طلب المعنى، فلم يصل إليه، وهو ماثل بين يديه لضعف آلته".(88) ننتقل إلى عبد القاهر الجرجاني الذي سيرى أن الشعراء ثلاثة : " فحل، ومطبوع، ومجرب". وقد قدم هذا الأخير على الاثنين السابقين له، وذلك من خلال تجربته : " ما أنت ترى الحسن الواحد، مكان الرجل من الفضل وموضعه من الحذق، وتشهد له بفضل المنة وطول الباع، وحتى تعلم-إن لم تعلم القائل- إنه من قبل شاعر فحل، وأنه خرج من تحت يد صناع، وذلك ما إذا أنشدته، وضعت فيه اليد على شيء فقلت : هذا هذا!  وما كان كذلك فهو الشعر الشاعر،  والكلام الفاخر، والنمط العالي الشريف، والذي لا تجده إلا في شعر الفحول البزل، ثم المطبوعين الذين يلهمون القول إلهاماً، ثم إنك تحتاج إلى أن تستقرئ عدة قصائد، بل أن تُفلي ديواناً من الشعر حتى تجمع منه عدة أبيات وذلك ما كان مثل قول الأول..(89). والجديد هنا إضافة صفة البزل إلى الفحولة" والبزل هو البعير عند العرب ويستعيرون البازل للرجل الكامل التجربة " (90)، فتأمل.

وهكذا، ومثلما رأينا، فقد حاول الشاعريون، تارة، تصنيف الشعر من خلال تصنيفهم للشعراء، وتارة الشعراء عبر تصنيفهم للشعر، وذلك للوصول إلى نتائج تخص القيمة، أو لاجتراح مقاييس نقدية، أو لتقييم التجارب الشعرية السابقة على عصرهم، ومن ثم موازنتها بالجديد، أو ما استجد من تجارب شعرية، على الرغم من ثبات المعيار بخصوص الشعر العظيم عبر العصور  ك" نص يتجدد مع كل قراءة: لا ينتهي، لا يستنفذ. هذا ما يميز الأعمال الشعرية الخلاقة " (91)، أو بالمعنى الذي كان ذهب إليه  بعض النقاد بخصوص القصيدة العظيمة، من حيث نبضها الدائم بالحياة، بدليل ما تتركه في كل مرة من قرائتها، من الإثارة نفسها التي تتكرر،كلما رجع القارئ إليها " فإذا تم مثل هذا التأثير بعد قراءات متكررة، وبين أناس مختلفي المشارب، والحيوات، والمطامح والعصور، والألسن فمعنى ذلك أن عظمتها فوق الظنون" (92) لكن، ومع ذلك يلوح سؤال، بهذا الخصوص : ما السر في منحها العظمة ؟ أين يكمن ؟ من أين يؤتى ؟ وسيبقى، معلقاً ، إذ لم ينته البحث، فلا داعي لحرق المراحل.

4. نحو تصنيف جديد للتجارب الشعرية

1.4. الشعراء خمسة

كنا قد أعلنا عبر بيان ثقافي، مذيلاً، باسمنا، ومنشوراً بصحيفة (الثقافية)، تحت عنوان: "مفهوم الصياغة النهائية للتجربة الإنسانية، ضمن أفكار أخرى، " أن الشعراء خمسة:

1)      الأول، شاعر قدم اختلافه (المختلف)، دون بقية  الشعراء،

2)      والثاني، شاعر قدم إيقاعاً شخصياً ، به، يعرف ويسم،

3)      والثالث، شاعر حقق لقصائده أقصى مدى من الشاعرية،

4)      والرابع شاعر وضع صياغة نهائية لمعنى واحد، أو لبعض معاني التجربة الإنسانية في علاقتها بالوجود والموجود.

5)      والخامس شاعر هو كل هؤلاء جميعا ( مختلف، له إيقاع شخصي، تتميز أغلب قصائده بالشاعرية، له صياغات نهائية، وما عدا هؤلاء، فالبقية ليسوا سوى عشاق، أو تاريخ، أو لا شيء"(93).

كان ذلك نتاج تأملنا في أغلب التجارب الشعرية القديمة والمعاصرة، على نحو استقرائي، وفي ضوء- كذلك- بعض الطروحات، والأفكار النقدية المعاصرة، على وجه الخصوص ، والمتمثلة بمحمد بنيس تحديداً. وعلى الرغم من عدم تبلور الرؤية على الوجه الأكمل إلا فيما بعد، كما سترى، فإن ثمة اطمئناناً قد راودنا بشأن هذه  النتيجة التي كنا قد توصلنا لها، وأعلنا عنها وقتئذ. والحقيقة أن هذا التصنيف لا يمكن له أن يدعي الجدة على نحو الابتداء، في الوقت الذي لم يكن له أن يكون احتذاءً لما سبق، إذ لم يكن في بالنا ما استقصيناه لاحقاً، مثلما مر معنا، عبر ما كان موجوداً في ثقافتنا القديمة، ..  بينما يمكن له، في الوقت نفسه، أن يندرج تحت مفهوم إعادة الصياغة الذي سنشير إليه في مكان آخر من هذه الأطروحة. ولعل ما يميز هذا التصنيف، على وجه المغايرة والعمق، : دقة مصطلحاته واتساع مفاهيمه، لاستيعاب كل التجارب الشعرية بكل تحولاتها، وعصورها: قوةً وضعفاً، تحديثاً وقدامة، تقليداً، ومغايرة، بالإضافة إلى تمتعه ـ في الوقت نفسه ـ،  وعلى نحو إجرائي، بمقاييس نقدية أثناء التعرض لأي تجربة شعرية بالنقد والتحليل. ولكي نكون عمليين، نقول بهذا الشأن، إن الشاعر ( أي شاعر) بتحقيقه واحداً، أو أكثر من واحد، أو مجموع الشروط التالية : ـ

1-      الاختلاف.

2-      الإيقاع الشخصي (الأسلوب).

3-      الشاعرية (اللاأسلوب).

4-      الصياغة النهائية.

يخول لنفسه لأن يُسمى شاعر تجربة بحق. وإنه من الأهمية بمكان القول أن شعراء التجربة قليلون في الثقافة العربية القديمة والمعاصرة، على الرغم من تراخي الأزمنة، وامتداد العصور.

فماهو الاختلاف؟ وماهو الإيقاع الشخصي؟ وكيف تكون الشاعرية؟ وما المقصود بالصياغة النهائية ؟

 ذلك ما سوف تفضي به الفصول القادمة.





 (1) – جون كوهن، بنية اللغة الشعرية، تر : محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال، الدار البيضاء، ط1، 1986، ص10.

(2) – ابن منظور، لسان العرب، ص 356.

(3) – قدامة بن جعفر، نقد الشعر، (م.س)، ص 17.

(4) – ديفد  ديتشس: مناهج النقد الأدبي، تر: محمد يوسف نجم،  دار صادر- بيروت، ط1، 1967، ص 164.

(5) – ابن منظور، لسان العرب،  ص  356.

(6) –ديفد ديتشس، مناهج النقد الأدبي،(م.س)، ص164.

(7) – المرجع السابق نفسه، ص  158.

(8) – ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، المجلد I، ط 2، ص. 1104.

(9) – ابن سلام الجمحي، طبقات الشعراء، قراءة : محمود محمد شاكر،  مطبعة المدني القاهرة، الجزء I ( السفـر الأول)، ط1، سنة (بدون)، ص.9.

(10) – ديفيد ديتشس، مناهج النقد الأدبي،(م.س)، ص.158.

(*) ـ أنظر: محمد بنيس، العشر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها، (الشعر المعاصر)، توبقال، البيضاء، ط3، 2001م.

(11) -  ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق محمد قرقزان، مطبعة الكاتب العربي دمشق، الجزء 1، الطبعة 2، 1994، ص.248.

(12) – المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.

(13) – محمد بنيس، الشعر العربي الحديث بنياته  وابدالاته، الشعر المعاصر، دار توبقال- البيضاء، ط3، 2001، ص.236

(14) – أدونيس، زمن الشعر، دار العودة، بيروت، ط3، 1983، ص 287.

(15) -  عبد المجيد زراقط، في مفهوم الشعر  ونقده،دار الحق، بيروت- لبنان، ط1، 1998م، ص.235.

(16) – جاكوب كورك، اللغة في الأدب الحديث، الحداثة والتجريب، تر، ليون يوسف وعزيز عمانوئيل، دار المأمون، بغداد، طI، 1989، ص.26.



(17) – ابن منظور، لسان العرب، دار الفكر، بيروت، المجلد I، ص. 261-262.

(18) -  عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، قراءة وتعليق محمود شاكر، (م.س)، ص .127.

(19) – ابن طباطبا، عيار الشعر،  تحقيق طه الحاجري ومحمد زغلول سلام، المكتبة التجارية بالقاهــرة، ط1، 1956، ص10.

(20) – ابن الأثير، الوشي المرقوم، تحقيق جميل سعد، ط2، سنة (دون) ص54.

(21) – أدونيس، كلام البدايات، دار الآداب، بيروت، لبنان،  ط1،  1989، ص 175.

(22) – يحي بن الحسين،  مجموع رسائل يحي بن الحسين  (الرسائل الأصولية)، تحقيق عبد الله محمد الشاذلي، مؤسسة الإمام زيد، عمان- الأردن،  طI، 2001م،ص292.

(23) – المرجع السابق نفسه، ص 593.

(24) – حازم القرطاجني، منهاج البلغاء،  تحقيق محمد الحبيب بن  الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت- لبنان، ط3، 1986، ص 42.

(25) -  ابن قتيبة، الشعر والشعراء،  تحقيق أحمد محمد شاكر،دار إحياء الكتب العربية- القاهرة، الجزء I ، ط1،  1364 هـ- (…م)، ص  86.

(26) -  أنظر : محمد بنيس: الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها،3-  الشعر المعاصر،  دار توبقال- الدار البيضاء، ط3، 2001م، ص.237.يعلق محمد بنيس على  ذلك من أن حاجة  السياب للتجارب الخارجية  واهتمامه بالاستمرار في إنجاز تجربة شعرية جديدة،  تفيد كلها أن مفهوم التجربة يتحول إلى مفهوم نظري أساسي في الشعر المعاصر. أنظر الصفحة ذاتها.

(27) –ماكليش، الشعر  والتجربة، تر: سلمى الخضراء  الجيوسي، مراجعة توفيق صائغ، دار اليقظة  العربية- بيروت، ط1، 1963م، ص125.

(28) – ت.س.أليوت، فائدة الشعر وفائدة النقد، تر: يوسف نور عوض، مراجعة: جعفر هادي  حسن، دار القلم، بيروت- لبنان، ط1، 1982م،  ص.133.

(29) – ماكليش، الشعر والتجربة،(م.س)، ص.119.

(30) – المرجع السابق  نفسه،ص.119.

(31) – نفسه،  ص. 119.

(32) – نفسه، ص.119.

(33) – أنظر: آي.آي.  رتشاردز، نظرات في النقد الأدبي، ص160.



(34) – أنظر عبد العزيز المقالح، الشعر بين الرؤيا والتشكيل، دار العودة، بيروت، طI، 1981، ص14.

(35) – ت.س. أليوت، فائدة  الشعر وفائدة النقد،(م.س)، ص 123.

(36) – ديفيد ديتشس، مناهج  النقد الأدبي،(م.س)، ص 240.

(37) – محمد بنيس، الشعر  العربي الحديث بنياته  وإبدالاتها  (الشعر المعاصر)،(م.س)، ص 239.

(38) – جاكوب كورك، اللغة في الأدب الحديث، ص26.

(39) – إميل بانفيست، اللغة  والتجربة الإنسانية، بسام بركة، مجلة الفكر العربي،  العدد 95، شتاء 99، السنة 20، معهد الإنماء العربي، بيروت- لبنان، ص  66.

(40) – نفسه، ص 66.

(41) ـ آي.آي. رتشارد، نظرات في النقد الأدبي،(م.س)،  ص27.

(42)  ـ نفسه، ص 24.

(43) ـ نفسه، ص27.

(44) ـ انظر: محمد نبيس، كتابة المحو، دار توبقال، البيضاء، طI، 1994م، ص 139.

(45) -  ابن رشيق، العمدة، تحقيق محمد قرقزان، مطبعة الكاتب العربي بدمشق، الجزء I، ط II، 1994، ص 238.



(46) – أنظر ديفيد ديتشس،  مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق،  تر محمد يوسف  نجم، مراجعة إحسان عباس، دار صادر، بيروت-  لبنان، طI، 1986، ص95.

(47) – ابن رشيق، العمدة،(م.س)، ص 362.

(48) – ت.إس. اليوت، فائدة الشعر وفائدة النقد،تر، يوسف نور عوض،دار القلم، بيروت، طI، 1982، ص

(49) – نفسه،ص

(50) – جون كوهن، بنية اللغة الشعرية، تر: محمد الولي ومحمد العمري، طI، 1986، دار توبقال- البيضاء، ص40.

(51) – اتيالوكالفينو، ست وصايا للألفية القادمة، محمد الأسعد، ط I، الكويت، صادر  عن المجلس الوطني للثقافة  تحت إبداعات عالمية، العدد 321 ديسمبر 1999، ص 118.

(52) – لوكاش، الشعر والتجربة، تر: سلمى الجيوسي، دار اليقظة، بيروت، طI، 1963، ص 85.

(53) – حازم القرطاجني، منهاج  البلغاء، (م.س)،  ص 111.

(54) – لوكاش، الشعر والتجربة،(م.س)، ص16.

(55) – ديفد ديتشس، مناهج النقد،(م.س)، ص 152.

(56) – نفسه، ص 151.

(57) – نفسه، ص 151.

(58) – نفسه، ص 17-18.

(59) -  أليوت، فائدة الشعر فائدة النقد،(م.س)،ص  34.

(60) – ديفد ديتشس، مناهج النقد، (م.س)،ص

(61) – أليوت، فائدة الشعر فائدة النقد،(م.س)، ص 55.

(62) – نفسه،  ص 55.

(63) –ديفد ديتشس، مناهج النقد، ص 94-95 (م.س)، ص 94-95.

(64) – مجلة عالم  الفكر، الظاهرة الإبداعية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، الصفاة، المجلد 15، العدد 4، يناير ـ فبراير ـ مارس1985، ص 38.

(65) – أليوت، فائدة الشعر فائدة النقد،(م.س)، ص 111.

(66) –  مجلة عالم الفكر، الظاهرة الإبداعية،(م.س)، ص 7.

(67) – أليوت، فائدة الشعر وفائدة النقد، (م.س)، ص 59.

(68) – نفسه، ص 59.

(69) – نفسه، ص 60.

(70) – عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، قرأه وعلق عليه محمود محمد شاكر،(م.س)، ص 150.

(71) – أدونيس، الثابت والمتحول، صدمة الحداثة،دار الفكر، بيروت، الجزء III، ط5، 1986، ص  282.

(72) – أليوت، فائدة الشعر وفائدة النقد،(م.س)، ص 60.

(73) – جاكوب كورك، اللغة في الأدب الحديث الحداثة والتجريب، تر: ليون يوسف وعزيز عمانوئيل، دار المأمون للترجمة والنشر، بغداد، ط I، 1989، ص 12.

(74) – ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمد شاكردار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ، الجزء 1، 1364هـ،ص 85.

(75) – ابن رشيق، العمدة،(م.س)، ص 376-378.

(76) – أنظر محمد بنيس، الشعر العربي الحديث ،بنياته وإبدالاتها (التقليدية)، دار توبقال- الدار البيضاء، ط I، 1989، ص 118.

(77) – نفسه، ص 115.

(78) – نفسه، ص 115.

(79) – نفسه، ص 117.

(80) – نفسه، ص  119.

(81) – ابن قتيبة، الشعر والشعراء،(م.س)، ص 70-72-74-75.

(82) – أنظر إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الشروق، عمان- الأردن،، ط II، 1993 ص 526.

(83) – قدامة بن جعفر، نقد الشعر،(م.س)، ص 65.

(84) – أنظر عبد المجيد زراقط، في مفهوم الشعر ونقده، (م.س)، دار الحق، بيروت- لبنان.

(85) – أنظر ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، قراءة محمود شاكر، السطر الأول، ، مطبعة المدني بالقاهرة، دار المدني بجدة ط I، سنة (بدون).



(86) – ابن رشيق، العمدة،(م.س)، ص 233-234.

(87) نفسه، ص 236. ثم انظر ص 237-238.

(88) – نفسه، ص 362.

(89) – عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق ياسين الأيوبي،(م.س)، ص 133.

(90) – نفسه، ص 133. (الهامش).

(91) – أدونيس، كلام البدايات، دار الآداب- بيروت، ط I، 1989،  ص 17.

(92) – ديفيد ديتشس، مناهج النقد الأدبي،(م.س)، ص 85.

(93) – صحيفة الثقافية، العدد (118)، 15/11/2001، صادرة عن مؤسسة النشر، تعز- اليمن، ص 28.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق