الأحد، 30 سبتمبر 2012

المساواة في القصاص بين المسلم والكافر د.عبدالسلام الكبسي الحلقة الثانية

د.عبدالسلام الكبسي
 
 
لن تكون التوراة بأعدل من القرآن ,
ولكن المذاهب الإسلامية اجتهدت في وجود النص , مع أن القاعدة الفقهية الشهيرة تقول لا اجتهاد مع نص .
الهجرة واجبة من ديار المسلمين للمستضعفين , مادام الإستبداد قائماً , والخروج عليه , واجبٌ على المعنيين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ونبرر للفقه الإسلامي فقد أنتج قديماً , في واقع حربي .

" الحلقة الثانية "
لن تكون التوراة بأعدل من القرآن فيما يتعلق بالقصاص على وجه المساواة بين الإسرائيلي وغير الإسرائيلي , حيث يقول سفر اللاويين : " وإذ...
ا قتل أ
حد إنساناً فإنه يقتل . ومن أمات بهيمة جاره يعوض عنها نفساً بنفس . ومن أوقع بقريبه ضرراً فبمثل ما أوقع يوقعُ به . كسر بكسر وعين بعين وسن بسن . وكما أنزل بسواه من أذى ينزل به . من قتل بهيمة جاره يعوض عنها , ومن قتل إنساناً يقتلُ حكم واحد يطبق عليكم , الغريب كالإسرائيلي , إني أنا الرب إلهكم " – كتاب الحياة , ص: 163 .
ويقول القرآن الكريم , في تطابق تام , مع التوراة : " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) – المائدة .
إلا أن الفقهاء المسلمين تعسفوا , بالتفرقة بين الناس على صعيد الدين , وأفتوا بعدم جواز أخذ المسلم بغير المسلم , في وجود القرآن الكريم الذي يقول بالمساواة على صعيد النفس قصاصاً , وبلا تفرقة بين المسلم والكافر , فالنفس بالنفس , وقد خفف انطلاقاً من رغبة المجني عليه في العفو بالتسامح مع الجاني , وهو مالايوجد بالتوراة , حيث يقول تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) – البقرة .ويقول تعالى مقرراً حد المفسدين بالأرض : " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) – المائدة .

ومن التخفيف , فقد قرر في حد القتل الخطأ بالدية وغيره , يقول تعالى : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)- النساء .

في حين أنه تشدد بالنسبة لحد القتل العمد , بقوله تعالى :
" وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)- النساء .

ناهياً عن أخذ الناس بالظن من غير المسلمين المسالمين , ومن حتى من غير المسالمين الذين يبدون مجرد النية في السلام :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)-النساء .

وعليه فلا مجال , أمام الفقه الإسلامي المعاصر سوى مراجعة ماضيه القديم لأكثر من ألف وأربعمائة عام , بالتشطيب على اجتهادات الفقهاء , فقهاء المذاهب الإسلامية جميعها , عبر تقديم النص القرآني على كل اجتهاد , فهو واضح , وجلي , ولايحتاج معه إلى أدنى تعب من تأويل , باعتباره من الآيات المحكمات , لا المتشابهات ,وباعتبار الزمان والمكان الإنساني اليوم , وما يعنيه الإسلام من رسالة عالمية قائمة على العدل بالرحمة الإلهية , وبما لايجعل منه حكراً على المسلمين , عند الإحتكام , ففيه العدالة لكفار الأرض ومسليمها , جنها وإنسها , وقد رأينا , قبل بضعة سنوات مافعله واحد من النازيين بألمانيا , بقتله للمرأة المصرية المسلمة بالمحكمة في 2009, وكيف آلمنا أن يكون القضاء الألماني منحازاً له , بعدم الحكم عليه بالقصاص .
إن في القرآن الكريم بالعدالة سعة للناس جميعاً , وفسحة , وسلوى , وسنداً , وموئلاً , ومن أجلهم أقام الله حدوده , وفي إخباره لنا عما لحق بالأمم الماضية من عذاب ونقمة بسبب مافعلوه عندما تجاوزوا العدل بالجور , والحياة بالقتل , والأمانة بالخيانة , والحقيقة بالتزوير , نهي لنا , وعظة وعبرة وأحكاماً , لا عندما حكى عن بني اسرائيل وحسب بل وقوم لوط مثلاً, من قبل فقد أسرفوا بالتجاوز نحو الشذوذ والفاحشة على وجه المجاهرة والغصب والتحريض فسقاً وظلماً وعدواناً , وأصبح من
يخالفهم رجيماً ,علاوة على قطع السبيل , يقول تعالى : " وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) – الأعراف . ويقول تعالى : " أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)- العنكبوت .
وقوم شعيب مثلاً , في قوله تعالى : " وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) – هود . وفي قوله تعالى : " وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) – الأعراف .
وقد أهلك الله الأمم السابقة لأنهم عاثوا في الأرض فساداً , وكفروا بالله :
" وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) – هود .

الخلاصة :
يؤكد القرآن الكريم باعتباره الدين الخاتم , وبماهو عليه من عالمية الدعوة الإسلامية , على مبدأ المساواة في القصاص بالحدود دون تفريق بين الناس , فمسلمهم وكافرهم , ويهوديهم ونصرانيهو , وصابئهم ومجوسيهم , ذكراناً وإناثاً ,سواسية على صعيد الوجود ( الإنطولوجي ) , وسواسية في القصاص بالعمد , وفي الديات وغيره بالخطأ , وذلك طبقاً لقوله تعالى : " النفس بالنفس " , صدق الله العظيم .
وإذا كان للفقهاء الأوائل رأي , وقت كان العالم من وجهة نظرهم قائم على كفر و إيمان , فلنا اليوم رأينا فيما يتعلق بالمساواة , فلم يعد ثمة مايوجب لدار كفر وإيمان , بل العكس , فقد أصبح المسلم مطالب اليوم بالهجرة من بعض ماكان يسمى بدار الإيمان من البلدان الإسلامية إلى دار أخرى , هي في المتخيل الفقهي القديم , كافرة , بعيداً بالهجرة للمستضعفين عن أنظمة الإستبداد , والقتل بالفتوى تكفيراً , إن لم يتحقق الخروج على الظلم , في عالمنا العربي الإسلامي كعوالم مغلقة , لاتنفتح إلا على نفسها , فتعيد نفسها من جديد على وجه الإجترار .
·

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق