الرؤية
موسى و بنو إسرائيل
نحو قراءة مختلفة للقرآن في ضوء المعرفة العلمية
المعاصرة :
" منطق موسى القرآني في الإستدلال على الله هو
المنطق نفسه لإبراهيم (ع) , والعلم عن طريق التثبت بالتجربة على نحو تطبيقي هو
المغزى من قصتي ابراهيم و موسى , لكن المسلمين لا يحسنون التقاط العبرة ولو كان
بيكون حاضراً لأفتى بمرجعية منهجه العلمي التجريبي " .
إنما
قصد موسى (ع) بقوله : " أرني أنظر إليك " , بمعرفة كيف يجري الله أمره لا ذاته سبحانه وتعالى,ورؤية حالة من أحوال القيامة , فامتنعت
الكيفية بقوله : " لن تراني " , وتحققت آثارها , بما يعنيه قوله تعالى : " فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ
يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ",صدق الله العظيم , وذلك في قوله تعالى : " وَلَمَّا
جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ
إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ
مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ
دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ
إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ " . وقد
عد الإمام الهادي يحى بن الحسين (ع) ذلك من خطايا الأنبياء في " المجموعة الفاخرة " ,وإن كان قد أحسن التأويل للآية بتأويله لقوله : " أرني أنظر إليك " , فهو يقول الهادي : أرني آية من عظيم آياتك أنظر بها إلى قدرتك , وأزداد بها بصيرة في عظمتك وقدرتك " , لكننا لا نوافقه على الطلب تضمن خطيئة , بل كإجراء تطبيقي لمشهد واحد من مشاهد القيامة بالقدرة على إجراء أمره كإرادة , ولذلك , قال : " سُبْحَانَكَ
تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ " بعد
فوقانه من الدهشة بالذهول , وعلى غرار ما حدث مع ابراهيم (ع) : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ
أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا
ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا
وَاعْلَمْ أَنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " , فافهم
, إذ لا يعقل أن يكون موسى جاهلاً حتى يطلب الرؤية كقومه الجهلاء : " وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ", صدق الله العظيم .
رأي الشيعة
:
وبذلك
لا مجال هنا , لما قيل لدى الشيعة بهذا الخصوص ,فقد روى الصدوق في كتابه التوحيد/118-122: " حدثنا
محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه محمد بن خالد ، عن أحمد بن النضر ، عن محمد بن مروان ، عن محمد بن السائب ، عن أبي الصالح ، عن عبدالله بن عباس في قوله عز وجل: « فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ
إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ » قال
يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك الرؤية ، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى . قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب (رض): إن موسى عليه السلام علم أن الله عز وجل لا يجوز عليه الرؤية ، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك ، فسأل موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه فقال: قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِى وَ لَكِنِ انْظُرْ إلى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ، في
حال تدكدكه فسوف تراني. ومعناه أنك لا تراني أبداً، لأن الجبل لا يكون ساكناً متحركاً في حال أبداً ، وهذا مثل قوله عز وجل: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى
يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الْخِيَاطِ، ومعناه
أنهم لا يدخلون الجنة أبداً كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبداً . فلما تجلى ربه للجبل: أي ظهر بآية من آياته ، وتلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل ، فجعله دكا وخر موسى صعقا ، من هول تدكدك ذلك الجبل على عظمه وكبره ، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك ، أي رجعت إلى معرفتي بك عادلاً عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية ، ولم تكن هذه التوبة من ذنبه لأن الأنبياء لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً ، ولم يكن الإستيذان قبل السؤال بواجب عليه ، لكنه كان أدباً أن يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله .
على
أنه قد روى قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عز وجل .
وقوله:
وأنا أول المؤمنين ، يقول أنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه ، بأنك لا ترى .
رأي السنة
:
ولا
مجال هنا , أيضاً , لرأي السنة بدحض المرويات الموضوعة بالخرافة من خلال مثلاً , ابن كثير الذي أكثر من الإسترسال في ما ليس بحقيقة , ولا منطق , فلنستمع إليه , وقبل ذلك فلنعد إلى النص القرآني المتعلق بموسى والرؤية , يقول
القرآن :" ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين " , يقول
ابن كثير أن الله تعالى يخبر عن موسى ، عليه السلام ، أنه لما جاء لميقات الله تعالى ، وحصل له التكليم من الله سأل الله تعالى أن ينظر إليه فقال : "رب أرني أنظر إليك قال لن تراني " . وقد أشكل حرف " لن " هاهنا على كثير من العلماء ; لأنها موضوعة لنفي التأبيد ، فاستدل به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة . وهذا
أضعف الأقوال ; لأنه قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة ، كما سنوردها عند قوله تعالى : " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة " , القيامة : 22 ،
23 .وقوله تعالى إخباراً عن الكفار : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " , المطففين
: 15 . وقيل : إنها لنفي التأبيد في الدنيا ، جمعا بين هذه الآية ، وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الدار الآخرة .
وقيل
: إن هذا الكلام في هذا المقام كالكلام في قوله تعالى : " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير " , وقد تقدم ذلك في الأنعام ,الآية
: 103 . وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال لموسى ، عليه السلام : " يا موسى ، إنه لا يراني حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده " ; ولهذا قال تعالى : " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ". قال أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية : حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي ، حدثنا قرة بن عيسى ، حدثنا الأعمش ، عن رجل ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما تجلى ربه للجبل ، أشار بإصبعه فجعله دكا " وأرانا أبو إسماعيل بإصبعه السبابة
هذا الإسناد فيه رجل مبهم لم يسم ، ثم قال حدثني المثنى ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد ، عن ليث ، عن أنس ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) قال : " هكذا بإصبعه - ووضع النبي صلى الله عليه وسلم إصبعه الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر - فساخ الجبل " .هكذا
وقع في هذه الرواية " حماد بن سلمة ، عن ليث ، عن أنس " . والمشهور : " حماد
بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس " ،
كما قال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : قرأ رسول (ص) : قال ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) قال : وضع الإبهام قريباً من طرف خنصره ، قال : فساخ الجبل - قال حميد لثابت : تقول هذا ؟ فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد ، وقال : يقوله رسول (ص) ، ويقوله أنس وأنا أكتمه ؟ وهكذا رواه الإمام أحمد في مسنده : حدثنا أبو المثنى ، معاذ بن معاذ العنبري ، حدثنا حماد بن [ ص: 470 ] سلمة ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) قال : قال هكذا - يعني أنه أخرج طرف الخنصر - قال أحمد : أرانا معاذ ، فقال له حميد الطويل : ما تريد إلى هذا يا أبا محمد ؟ قال : فضرب صدره ضربة شديدة وقال : من أنت يا حميد ؟ ! وما أنت يا حميد ؟ ! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فتقول أنت : ما تريد إليه ؟ ! وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق ، عن معاذ بن معاذ به . وعن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن سلمة به ثم قال : هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث حماد . وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طرق ، عن حماد بن سلمة ، به . وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه
ورواه أبو محمد الحسن بن محمد الخلال ، عن محمد بن علي بن سويد ، عن أبي القاسم البغوي ، عن هدبة بن خالد ، عن حماد بن سلمة ، فذكره وقال : هذا إسناد صحيح لا علة فيه . وقد رواه داود بن المحبر ، عن شعبة ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعا وهذا ليس بشيء ، لأن داود بن المحبر كذاب ورواه الحافظان أبو القاسم الطبراني وأبو بكر بنحوه وأسنده ابن مردويه من طريقين ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس مرفوعا بنحوه ، وأسنده ابن مردويه من طريق ابن البيلماني ، عن أبيه ، عن ابن عمر مرفوعا ، ولا يصح أيضا . وقال السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قول الله تعالى : ( فلما تجلى ربه للجبل ) قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ( جعله دكا ) قال : ترابا ( وخر موسى صعقا ) قال : مغشيا عليه . رواه ابن جرير . وقال قتادة : ( وخر
موسى صعقا ) قال : ميتا . وقال سفيان الثوري : ساخ الجبل في الأرض ، حتى وقع في البحر فهو يذهب معه وقال سنيد ، عن حجاج بن محمد الأعور ، عن أبي بكر الهذلي : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) انقعر فدخل تحت الأرض ، فلا يظهر إلى يوم القيامة . وجاء في بعض الأخبار أنه ساخ في الأرض ، فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة ، رواه ابن مردويه . [ ص: 471 ] وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمر بن شبة ، حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكناني ، حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن معاوية بن عبد الله ، عن الجلد بن أيوب ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما تجلى الله للجبال طارت لعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة ، بالمدينة :
أحد ، وورقان ، ورضوى . ووقع بمكة : حراء ، وثبير ، وثور " . وهذا
حديث غريب ، بل منكر . وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج ، حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا عثمان بن حصين بن علاق ، عن عروة بن رويم قال : كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صما ملسا ، فلما تجلى الله لموسى على الطور دك وتفطرت الجبال فصارت الشقوق والكهوف .
وقال
الربيع بن أنس : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ) وذلك أن الجبل حين كشف الغطاء ورأى النور ، صار مثل دك من الدكاك . وقال بعضهم : ( جعله دكا ) أي : فتته .
وقال
مجاهد في قوله : ( ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) فإنه أكبر منك وأشد خلقا ، ( فلما تجلى ربه للجبل ) فنظر إلى الجبل لا يتمالك ، وأقبل الجبل فدك على أوله ، ورأى موسى ما يصنع الجبل ، فخر صعقا . وقال عكرمة : ( جعله دكا ) قال : نظر الله إلى الجبل ، فصار صحراء ترابا . وقد قرأ بهذه القراءة بعض القراء ، واختارها ابن جرير ، وقد ورد فيها حديث مرفوع ، رواه ابن مردويه .
والمعروف أن " الصعق " هو الغشي هاهنا ، كما فسره ابن عباس وغيره ، لا كما فسره قتادة بالموت ، وإن كان ذلك صحيحا في اللغة ، كقوله تعالى : ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) [ الزمر : 68 ] فإن هناك قرينة تدل على الموت كما أن هنا قرينة تدل على الغشي ، وهي قوله : ( فلما أفاق ) والإفاقة إنما تكون من غشي . ( قال سبحانك ) تنزيها وتعظيما وإجلالا أن يراه أحد من الدنيا إلا مات . وقوله : ( تبت إليك ) قال مجاهد : أن أسألك الرؤية . [ ص: 472 ] ( وأنا أول المؤمنين ) قال ابن عباس ومجاهد : من بني إسرائيل . واختاره ابن جرير . وفي رواية أخرى عن ابن عباس : ( وأنا أول المؤمنين ) أنه لا يراك أحد . وكذا قال أبو العالية :
قد كان قبله مؤمنون ، ولكن يقول : أنا أول من آمن بك أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة . وهذا
قول حسن له اتجاه . وقد ذكر محمد بن جرير في تفسيره هاهنا أثرا طويلا فيه غرائب وعجائب ، عن محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله وكأنه تلقاه من الإسرائيليات والله تعالى أعلم .
وقوله
: ( وخر موسى صعقا ) فيه أبو سعيد وأبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما حديث أبي سعيد ، فأسنده البخاري في صحيحه هاهنا ، فقال : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه ، فقال : يا محمد ، إن رجلا من أصحابك من الأنصار لطم وجهي . قال : " ادعوه " فدعوه ، قال : " لم لطمت وجهه ؟ " قال : يا رسول الله ، إني مررت باليهودي فسمعته يقول : والذي اصطفى موسى على البشر . قال : قلت : وعلى محمد ؟ فأخذتني غضبة فلطمته ، قال : " لا تخيروني من بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " . وقد رواه البخاري في أماكن كثيرة من صحيحه ، ومسلم في أحاديث الأنبياء من صحيحه ، وأبو داود في كتاب " السنة " من سننه من طرق ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني الأنصاري المدني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري ، به وأما حديث أبي هريرة فقال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا أبو كامل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثنا ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : استب رجلان : رجل من المسلمين ، ورجل من اليهود ، فقال المسلم : والذي اصطفى محمدا على العالمين . وقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين ، فغضب المسلم على اليهودي فلطمه ، فأتى اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله فأخبره ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاعترف بذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تخيروني على موسى ; فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فأجد موسى ممسكا بجانب العرش ، فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي ، أم كان ممن استثناه الله ، عز وجل " . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث [ ص: 473 ] الزهري ، به وقد روى الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا ، رحمه الله : أن الذي لطم اليهودي في هذه القضية هو أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ولكن تقدم في الصحيحين أنه رجل من الأنصار ، وهذا هو أصح وأصرح ، والله أعلم .
والكلام
في قوله ، عليه السلام : " لا تخيروني على موسى " ، كالكلام على قوله : " لا تفضلوني على الأنبياء ولا على يونس بن متى " ، قيل : من باب التواضع . وقيل
: قبل أن يعلم بذلك . وقيل : نهى أن يفضل بينهم على وجه الغضب والتعصب . وقيل
: على وجه القول بمجرد الرأي والتشهي ، والله أعلم . وقوله : " فإن الناس يصعقون يوم القيامة
" ، الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة ، يحصل أمر يصعقون منه ، والله أعلم به . وقد يكون ذلك إذا جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء ، وتجلى للخلائق الملك الديان ، كما صعق موسى من تجلي الرب ، عز وجل ، ولهذا قال ، عليه السلام : " فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " ؟
وقد روى القاضي عياض في أوائل كتابه " الشفاء " بسنده عن محمد بن محمد بن مرزوق : حدثنا قتادة ، حدثنا الحسن ، عن قتادة ، عن يحيى بن وثاب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما تجلى الله لموسى ، عليه السلام ، كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء ، مسيرة عشرة فراسخ " ثم
قال : " ولا يبعد على هذا أن يختص نبيا بما ذكرناه من هذا الباب ، بعد الإسراء والحظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى . انتهى ما قاله ، وكأنه صحح هذا الحديث ، وفي صحته نظر ، ولا يخلو رجال إسناده من مجاهيل لا يعرفون ، ومثل هذا إنما يقبل من رواية العدل الضابط عن مثله ، حتى ينتهي إلى منتهاه ، والله أعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق