الدكتور عبدالسلام الكبسي
شعر المقاومة
" 1 "
يؤخذ أدب المقاومة
تعريفاً , من خلال الشواهد الأدبية النابضة التي تُعنى أساساً , بالحرية , والنضال
من أجل الحرية ,بما يحفظ للإنسانية كرامتها
, وحقها في الحياة , وتقرير المصير , فلا استعباد في وجود الله , ولا ذل , ولا استكبار
, ولنا في القرآن الكريم أمثلة رفيعة في صراع الخير بالشر , والإيمان بالكفر , والوحدانية
بالشرك , علاوة على أدبيات أهل البيت (ع) , أمثال : " نهج البلاغة " , وغيره
مما قيل على صعيد كفاحهم الطويل من أجل الإنسانية ضد الإستبداد .
ومن كل ماقيل من
أدبيات ضمن هذا الإطار لا في الثقافة العربية وحسب بل الإنسانية جمعاء .
وعليه , نقول على
وجه التعريف أن أدب
المقاومة هو كل أدب يُعنى بالحرية ضد الإستبداد والإستكبار معاً .
ويشترط النقاد الجودة محكاً , لأدب
المقاومة على الوجه الفني,
لا التحريضي التعبوي , بما يرتقي بالوجدان ويصقل
الضمير,
وبما يجعله ضمن ديمومة القضايا الإنسانية الخالدة .
إن الأدب المباشر الخالي من الصدق الفني
والوجداني محكوم
بالفشل , وبالموت , لأنه
كان قد قيل تلبية لكل لحظة آنية لاترى
من الحدث سوى الإذن بالتعبئة العامة وحسب ,
وعليه ماتت
الكثير من الأعمال الأدبية بمجرد مرور الزمن عليها , إذ لم تعد
مقرؤة ,
بينما , في المقابل لم يستمر طردياً مع المقاومة كحدث
إنساني نبيل وشرعي سوى الأدب
الجاد , لا على صعيد الأفكار
فقط بل والأساليب بما تقدم به كتجربة واقعية في
اليومي المقاومي
للإنسان كما هي بالإمتياز نفسه, في عالم المجاز .
لقد قيل ضمن هذا السياق الكثير من الأشعار
الفلسطينية وغير الفلسطينية في أقدس , وأهم , وأدق قضايا التحرر العربي
الإسلامي
ضد المحتل الإسرائيلي , ومع مرور الأيام , فقد
استمر الإحتلال , ولم يصمد في وجهه
مقاوماً سوى القليل جداً
من الشعر العربي المقاوم الأصيل , لأمثال نزار قباني ,
وسميح القاسم , ومحمود درويش بالذات . وقد ركزنا على درويش
بالذات , لأنه تجاوز
المقاومة كوقائع حربية إلى الوجدان العالمي
من خلال طرقه لمعان جديدة بإيقاعه
الشخصي , وتوحد بالشعر
متجهاً نحو البعد الإنساني الصميم , بما يلامس كل وجدان عالمي
يقول بكرامة
الإنسانية , وبحقه في الحرية بالنضال ,
وباستمرارية الرفض والتحدي والمجابهة في الواقع , وفي
المثال
, فالعدو لم يعد هو فقط مغتصب الأرض احتلالاً , بل إن
مقاومته تنحو في شعر
درويش مثلاً , نحو كشف الغطاء عنه
المتمثل في الإمبريالية الإستكبارية العالمية .
ذلك ما تقوله مجموعته الشعرية الشهيرة : مديح الظل العالي ".
لقد تجاوز محمود درويش وأمثاله من كبار
شعراء المقاومة في العالم العربي المباشرة بالرمز , والخطابية الذاتية بالدراما ,
والإيديولوجيا الإلتزامية بإيديولوجيا الذات الشعرية المقاومة
نفسها , حيث
الإستقلال في طلب المعاني بالصور , والأفكار بالكلمات بما يحقق عند المتلقي الشعور
بجدية الشعر لا باعتباره
مفارقاً للواقع كمجاز وإنما بما هو الواقع نفسه في المجاز
حيث
الدماء , والأشلاء , ونبل القضية , والإصرار على بلوغ
الأهداف في تناغم مع
الكلمات والإيقاعات والدلالات التي تنفقد
لدى متلقيها فيلح على أن يجدها وقد تركت
فيه أثراً قوياً من واقع
الباروت مع الحمام قتلاً , والبندقية إزاء غصن الزيتون ,
والإستعباد حين لا يقدر على تركيع الأحرار .
"2 "
ودرويش بما عمله من إنجاز شعري لم يخرج
بذلك عن مدرسة شاعر قديم وكبير هو أيضاً , ومؤسس اسمه الكميت بن زيد الأسدي الذي
نؤرخ لأدب المقاومة به , كأول وسابق في تاريخ الثقافة العربية كلها , في العصر الأموي , فقد أحدث بقصيدته الشعرية
مايمكن أن يكون قطيعة فنية إيديولوجية , وذلك لأول مرة في تاريخ الشعر العربي , بحمله
مظلومية أهل البيت عليهم السلام إزاء الإستبداد الأموي القرشي , باعتبارهم الأقدر على
تحمل المسؤولية التاريخية والمصيرية تجاه المسلمين والإسلام , وباعتبار ما قدموه من
تضحيات تلو التضحيات منذ فجر الإسلام بأبي طالب وحمزة وعلي , وجعفر وفاطمة , والحسن
, وحتى الحسين في كربلاء , وزيد بن علي , ومحمد الباقر , وجعفر الصادق , وغيرهم , وباعتبار
ما لحقهم من ظلم وتشنيع , وقتل وتنكيل , على وضح من سمع وبصر العالمين .
وقد استطاع أن يقدم
معناه الكبير عبر نماذج شعرية فذة ورائدة , لا على صعيد الموضوعات وحسب , وإنما الشكل
الخارجي للقصيدة الشعرية العربية كتجربة منجزة " تمتزج فيه إرادة
اصطياد اللفظ الغريب ونثره في الطللية التي جعلت في خاتمة القصيدة، لا في أولها، كما
درجت العادة، بالجدل السياسي المستند إلى براهين منطقية، باعتماد وسائل تأثير لغوية-موسيقية/بيانية،
تستخدم الخطابة بعضها. وقد تحقق لهذا الشعر نوع من الوحدة الموضوعية المتماسكة يختلف
عن وحدة جريان الومضات/اللمح المتتالية التي عرفها معظم الشعر العربي المعاصرله (
... ) ومادامت القطيعة أنواع، نحددها: كقطيعة إيديولوجية - فنية، يقول شوقي ضيف، في
هذا المعنى: "ليس الكميت إذن من ذوق شعراء عصره الذين وزعوا أنفسهم على المدح
والهجاء والفخر على نحو ما نرى عند الفرزدق مثلا، بل هو شاعر يقصر نفسه وشعره على نظام
فكري معين. وهذا ما جعلنا نقول منذ السطور الأولى في حديثنا عنه أنه شخصية طريفة بين
شعراء عصره، إذ أخرج الشعر من أبوابه القديمة إلى باب جديد هو باب التقرير والاحتجاج
للعلويين والدفاع عنهم. ولاحظ القدماء ذلك في صور مختلفة، فقال الجاحظ أن الكميت أول
من دل الشيعة على طرق الاحتجاج، وقال آخرون إن الكميت خطيب لا شاعر، وسئل عنه بشار
فقال إنه ليس بشاعر: كل ذلك لأنهم رأوه ينظم هاشمياته بطريقة جديدة ليست هي الطريقة
المألوفة عند الشعراء " .( انظر عبدالسلام الكبسي , تجربة القصيدة , ط1 ,2004, وزارة الثقافة اليمني ) .
والكميت بن زيد الأسدي
بذلك , يؤسس لمدرسة دارت دورتها في عصره , ولم تتوقف إلى اليوم ,وتتلمذ فيها الكثير
من الشعراء الكبار الذين انتهجوا خط المعارضة لكل سلطة استبدادية , أمثال ابن الرومي
في قصيدة المطولة الجيمية مثلاً , فقد قالها في رثاء الثائر العلوي يحى بن عمر بن حسين
بن زيد بن علي عليهم السلام , ناقداً الإستبداد العباسي,عبر مقدمة فخيمة , تقول :أمامك
فانظر أي نهجيك تنهج / طريقان شتى مستقيم وأعوج
,
ومبشراً بالقائم
من أهل البيت عليهم السلام :
لعل قلوباً قد أطلتم
غليلها
ستظفر منكم بالشفاء فتثلج
ويأتي من بعده , دعبل بن زيد
الخزاعي في العصر العباسي , القائل من قصيدة مشهورة له ,في مدح علي بن موسى الرضا
, تداولها التاريخ , ودمدمت بها العصور : مدارس آيات خلت من تلاوة / ومنزل وحي مقفر العرصات / ألم تر للأيام ما جر جورها / على الناس من نقص
وطول شتات / ومن دول المستهزئين ومن غدا / بهم طالباً للنور في الظلمات .. إلى آخر
القصيدة التائية الخالدة .
وله قصائد أخرى من
الممكن أن تندرج ضمن ما يسمى بشعر المقاومة , فقد تقدم بها في 218 هجرية , ليقدم لنا
الخليفة العباسي المعتصم على وجه آخر غير ما كان قد اجتهد شاعر عباسي كبير هو الآخر
في تقديمه , وأقصد بذلك ابوتمام شاعر البلاط العباسي بآمتياز , من خلال قصيدته المعروفة
فتح عمرية ,وقد جاءت قصيدة دعبل هجاء لاذعاً بقوله , منها :
بكى لشتات الدين
مكتئباً صبو / وفاض بفرط الدمع من عينه غربُ
و قام إمام لم يكن
ذا هدايةً/ فليس له دين و ليس له لبُ
ولم تكن الأنباء
تأتي بمثله / يملكُ يوماً أو تدين له العربُ
ولكن كما قال الذين
تتابعوا / من السلف الماضين إذ عظم الخطب
ملوك بني العباسِ
في الكتبِ سبعةٌ
ولم تأتِنـا عن ثامـن لـهمُ كُتـب
كذلك أهل الكهفِ
في الكهفِ سبعةٌ
خيـارٌ إذا عُـدُّوا وثامنـهم كلـبُ
وإنـي لأُعلـي كـلبَهم
عنك رفعةً
لأنَّك ذو ذنْب وليس له ذنْـبُ
وهكذا , وعلى غرار
الكميت , ودعبل , سيكمل الشعراء العرب مسيرة المقاومة بالمعارضة , هجاء , وتبشيراً
,حتى المتنبي ,والشريف الرضي , وأبي العلاء المعري , وغيرهم , في التحريض على الحرية
بالثورات , وفي مقاومة العدو الرومي , والمغولي في القرن السابع للهجرة , وفي التأكيد
على قيم الخير والحق والجمال , والحرية مع
احمد شوقي مذ قال : وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق , وإلى أن أتى الشاعر
أبو القاسم الشابي يكون الملايين في
عالمنا العربي قد تحركوا بفعل سحر شعره الثوري من خلال تحديداً , قصائده , أمثال :
إرادة الحياة , بمطلها الشهير : " اذا الشعب يوماً أراد الحياة / فلابد أن
يستجيب القدر , ولابد لليل أن ينجلي / ولابد للقيد أن ينكسر " , وبمثل قصيدة " ألا أيها الظالم
المستبد " , وغيرها , من روائع الشعر الممانع في ثقافتنا المعاصرة .
ومن الممكن في هذا السياق , الإشارة إلى
وجه قانا لنزار قباني وغيرها من قصائدة السياسية , وإلى التجارب الجديدة اختلافاً لكل من شعراء
المقاومة , أمثال :محمد علي شمس الدين ب" نجوم في المجرة " , و سالم مبارك الفلق في " مجزرة
قانا " ، و " قانا " لصالح
أحمد ، و " قانا يا عرس الزنابق "
لأكرم حيدر ، و " الذي قتل في المنفى
يكتب لي " لسميح القاسم ، و " مرثية لنجلاء وطيور النهر " لشوقي
بزيع ، و " قانا طلق الدم والولادة
" لهنري زغيب , وغيرهم
ممن ساهم من موقعه وبحسب مكانته , في رفد المقاومة بالأشعار الطازجة للتو من قلب
الحدث كشهداء على أعظم مثالين للمقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد الإحتلال
الإسرائيلي مع وجود الفوارقفي مستويات
الفن بالإجادة لكل منهم .
" 3 "
غير هؤلاء ,في غير بلد عربي , كان للشعراء المقاومين
من غير الفلسطينيين واللبنانيين , مساهماتهم
الشعرية التي قد لا تقل قوة في الأداء عن زملائهم بلبنان وفلسطين وسوريا , إن قل
فيها التقدير باستخدام مفردات الواقع المقاومي , وبما تحمله من دلالات المكان
والزمان العربي في صراعه مع المحتل , وفي مسيرة نضاله الممانع الممتدة لأكثر من
نصف قرن على وجه التقريب , وبما يعنيه مصطلح التعددية في المقاومة , بمقاومة كل
مايعيق المقاومة من قبح في حضور الجمال , واستبداد مع امكانية الديمقراطية , وموت
وضغينة ويأس واحباط تلازماً مع الحياة والنبل , والأمل , والنهوض , وذلك انطلاقاً
من تاريخ ممتد في الحاضر بماضيه , وحاضر يستشرف المستقبل في اتجاه مستقيم لا يرتد
, ولا يلتفت للوراء , مادام كل التفات نحو الوراء يمثل لعنة في الفن كما هو في
الواقع , ولعلني بذلك أشير إلى ما أحدثته الثورة الإسلامية في ايران , من انجازات , منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي ,على صعيد
المصطلحات , والكلمات والشعارات , فقد استيقظ العالم على وقع من التسميات لكل قبح
ينال من الوجود , ومن المستضعفين في الأرض , بالشيطان الأكبر , وبما تداول كلغة جديدة
للعصر كالإستكبار مثلاً, وبما تعنيه المقاومة كوليدة لكل فعل ديمقراطي , وفي لقائها
الحر بحركات التحرر في العالم .وبما يتمتع شعر المقاومة بأن يحمل مظلومية الناس المستضعفين في الأرض كقضية عادلة بحقهم
في الحياة كأحرار , ضد كل ماهو استبدادي , استكباري , بواقعية في المجاز كما هو الواقع
الحي الذي يعاش , منفعلاً بالتفاصيل وبالجوهر من القضية في المقاومة في آن واحد , على
وجه التعبير.
وأن يقدم الحلول
باستنفار المستضعفين نحو الحرية , على نحو مبادر , وأن يتعسى في كل ذلك بالإشارة والبناء
على النماذج الإنسانية المشرقة في القافات الإنسانية التي نادت بالحرية والعدالة والمساواة
, وقدمت التضحيات تلو التضحيات في سبيل قضايا التحرر والنضال والممانعة بربطها مع الواقع
الحاضر استشرافاً , للمستقبل .
وأن يعيشها الشعر
كقضية كيانية كبرى , قضية وجود بآمتياز .وبمايحمله هذا الشعر
من رسالة في الحرية ضد العبودية , والخير دفعاً للشر
, إذ لا حياة مع الموت , ولا كرامة في وجود العار بالذل , كان لي شخصياً , كشاعر أمثل جيلي , وما أنا
عليه شهيد , تجربتي الشعرية الشخصية , من مكاني باليمن , وهو بلد بعيد عن المواجهة
, مواجهة العدو الإسرائيلي , وقد أبليت في تجربتي بتقديمها كما ينبغي البلاء الحسن
, تحت واقع من تأثير الثورة الإسلامية في ايران , ومع تقدم المقاومة اللبنانية في
مواجهتها مع العدو المحتل , علاوة على أنني كغيري أعيش التجربة الفلسطينية في
المتخيل , وهو أقوى من عيشها على الواقع ثم الإنتقال منه إلى المجاز بالتعبير عنه
شعراً ,ولعلي بذلك أقصد ديواني الشعريين " كتاب الحسين , " وكتاب مالك
الأشتر " وما بعدهما من أشعار لم تطبع بعد , وأن كنت قد نشرتها على المدونات
الإلكترونية , فقد قلت ضمن سيرتي الشعرية " زهرة النرجس – السيرة الشعرية
" مايمكن أن يكون شهادة لزمن مقاوم , عايشته واقعاً حياً باليمن , بظهور
مشروع المقاومة لأنصار الله من على جبال مران بشمال الشمال لليمن من صعدة , أثناء
خوضه لستة حروب متتالية كان قد شنها نظام الرئيس علي صالح منذ 2004 حتى الإمتداد ,
على الرغم من انتهاء ذلك النظام بثورة الشعب السلمية في2011"
قلت منها ,
الآتي : " القصيدة الأولى من " كتاب الحسين " 2001 , كانت تمريناً بعد
بكائيات " البلاد التي كانت الشمس تفاحها " على " كتاب الحسين
" من حيث الفكرة التي تخيلتها قبل إنجازها , فكانت كما هي عليه الآن في
" كتاب الحسين " . أردت في كتاب الحسين أن أقول شيئاً عن الشرق العربي ,
حيث نعاني من الزعماء الطغاة , والإستبداد والقمع , والتخلف , والخرافات ,والأساطير,
والإرهاب .أردت الحديث قليلاً عن الحرية , وأن أقول شيئاً مختلفاً عن مفهومي المتسع
بالأحرار في العالم , وفي كل الثقافات , أمثال : جيفارا , والخميني , ومحمود درويش
, وحسن نصر الله وغيرهم , حيثما سالت الدماء من أجل الإنسانية .
أفهم أن خطاب المقاومة
هو خطاب المبادر , خطاب التحريض بتوجيه الضربة إستباقياً للعدو قبل أن يوجهها العدو
. حزب الله علمنا درساً في الحرية . لقد كتبت " ماء المدينة " , و
" مقاليد القبيلة " , و " البلاد التي كانت الشمس تفاحها " , و
" كتاب الحسين " في أوقات متقاربة , متوالية و متتابعة ,فبمجرد ماانتهي من
طباعة الديوان الأول حتى أشرع في كتابة الثاني .
ديواني الشعري
" كتاب مالك الأشتر " , حلقة من حلقات مشروعي الشعري , وهو تنويع على
" كتاب الحسين " , واستطرادٌ له على صعيد الدلالة , والإيقاعات , وطلباً
حثيثاً للإختلاف في التعبير عن الموضوعات .بدأ في 2004 وآستمر باستمرار تمرد الحوثيين
في جبال مران , وتحرك الجنوب نحو الإنفصال حتى 2010 . مادته الأحداث الدراماتيكية في
اليمن,ألتقطها كموضوعات,أتأملها وقد صارت لغة ,أرسمها مضامين ومعان ,أداعب فيه الجملة
الشعرية حتى الإكتمال .
إن ديوان "
كتاب الأشتر " مفتوح على التجارب الإستثنائية , على الثقافات . يستقرأ الواقع
والتاريخ والآخرين . في " كتاب الأشتر" تتجلى فكرة " الناصر "
من خلال مالك الأشتر . وفيه أحيي عدداً مهماً من أصحاب الإمام علي ( ع ) . فيه إدانة
للشر , والطغيان , والخونة , والإستبداد .فيه ملامسة جديدة لجدار الموت بالمفهوم الديني
, وما تعمل على تنويعه وتأكيده التجربة الإنسانية منذ الكتابات الطينية والهيروغليفية
, والمقولات الفلسفية . فيه معالجة كما يدور من حول الشاعر كواقع قلق , هو الواقع اليمني
المعاصر الحي الطازج بكل حيثياته وملابساته . فيه إدانة للحرب والإستبداد .فيه دعوات
للحريات عبر الثورات . فيه الكثير من التحريض والمقاومة.
أدعي أنني بشرت بالثورة
في كل أشعاري , وأنني كنت منتظراً
وقوعها في يوم ما , وأدعي أنني تنبأت بها , كما هي
عليه اليوم ,
في ديوان " البلاد التي كانت الشمس تفاحها " الصادر في
1999,وأنني حزنت على السيد حسين
الحوثي كما لم أحزن على أحد من قبل , وأنني انتكست
بموته صحياً ,وأصاب مني الإحباط
ما اصاب حد الإكتئاب , واعتبرت مارافق ثورته من شعري
المنشور ب" كتاب مالك الأشتر "
وقوداً لرجل بسيط سيأتي , ويقود الملايين
للحريات , ذلك ما جسدته قصيدة " رجل " بكتاب
الأشتر نفسه الذي سيعني ستة
حروب حوثية مع نظام صالح , وسيعني ثورة الشعب اليمني في
2001 بالذات , و كل الثورات
التي قامت بتونس ومصر وليبيا وسوريا .. . وسيعني من قبل
حروب المقاومة اللبنانية في
2006 , ضد اسرائيل , وأن انتصار المقاومة كان بالنسبة لي
انتصاراً شخصياً ,على صعيد
الشعر ,والشعر المختلف بالذات " .
على صعيد اليمن،بصفة
عامة , فمن ما لاشك فيه أن الشعراء تحديداً كانوا قد قدموا , ومازالوا يقدمون الكثير
من الشعر، بالكثير من ضروب القول، لأنهم عاشوا , ويعيشون القضية الفلسطينية تجربةً
شعرية , لا هماً موضوعياً فقط ، ولأنهم يعيشونها بالإضافة إلى ذلك , جرحاً سرياً يسيل
باستمرار في وعي من علاقة كلماتهم به ، ويحق للفلسطينيين عليهم في المؤازرة والنصرة
, ذلك , لأن الشعر واحد من أهم المحفزات والمحرضات لدفع الناس، وترجمة الآمال العريضة
لهم، في الثأر من المحتل على تباعد الأماكن , وتراخي الأزمنة.
نشير في هذا السياق
إلى الشعراء اليمنيين المقاومين , حسب الترتيب الزمني للأجيال , أمثال : الزبيري , واحمد الشامي وعبدالله البردوني , ومحمد الشرفي ,وعبدالعزيز المقالح
, وحسن الشرفي , وعبدالسلام الكبسي , وغيرهم .
أخيراً :
نقترح لكي يستمر
هذا المؤتمر أكثر نشاطاً وفعالية أن يستمر مرتين إلى ثلاث مرات في العام الواحد , وأن
تنشر وتطبع أدبياته , وتترجم . وأن يخرج كل مؤتمر ببيان على وجه رسالة للعالم الحر
. وأن يخرج بتوصيات . وأن يؤسس في كل بلد لروابط شعرية مؤسسية , تضم وتوثق لهذا المسارالإنساني
الحر
.
وأن ترصد لكل
بحث ونقد في أدب المقاومة جوائز مالية ومعنوية , وأن تضم التوصيات ما يمكن أن يوجه
للجامعات بتدريس هذا الضرب من الأدب , كمادة تدريسية ضمن المقررات الجامعية . علاوة
على دعم وتمويل فعاليات المقاومة , في غير بلد من العالم , وبكل اللغات . تأتي هذه المقترحات انطلاقاً من تأثير
إقامة هذا المؤتمر في لقاء الأحرار ما يدفع شر الفجار , وفي التأكيد على أن ثمة مازال
من يرعى قضايا العدالة والسلام , والحق والخير والجمال والحرية , وبما يمكن أن يكون
رسالة للعالم أن الإنسانية أولى بالحياة من الوحشية البربرية , وإذ لا يمكن أن يرعى
مثل هذه المؤتمرات سوى دول تؤمن بالحرية .إضافةً إلى أن تبادل الخبرات بالشعر هو ما يفتح أفقاً جديداً
لعوالم تتلاقح بالنضال والصمود من أجل الإنسانية . وأن
ذلك سيعود بالنفع على الشعراء المقاومين على وجه الثقة , فالتعبير عن الشيء الواحد
بأكثر من تعبير لغوي وايقاعي , من خلال أكثر من تجربة يعمل على التعددية غرفاً من واقع
واحد , هو الحرية كغرض أسمى لكل شعر أصيل .
د.عبدالسلام الكبسي
رئيس بيت الشعر اليمني
رئيس رابطة الشعر اليمني المقاوم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق