الدكتور عبدالسلام الكبسي
آفاق ثقافية جديدة في اليمن
11 _ 12 يوليو 2012 م
مجموعات التفاعل الشعري على شبكة الإنترنت
( المجموعات الشعرية – الفيس بوك نموذجاً ) ,
من خلال تجربتي الشخصية .
المحتويات:
ممكنات تكنولوجيا التواصل
كسر الإحتكار
تجربتي الشخصية مع الشعراء
تأثير , وسمات القصيدة الألفينية
القصيدة القصيرة , والمضامين الثورية
من الممكن القول , عبر هذه المداخلة القصيرة , أن الفيس بوك , وهو واحد من ممكنات التواصل الحديثة جداً , حقق للمؤلف مالم يكن يحلم به , إذ استطاع عبرها , أن يحول الأفكار إلى أشياء , ولو إلى حين , وضمن بذلك وصول رسالته , منجياً نفسه , على الأقل من الإحباط الذي يتركه فيه افتقاره إلى المادة , فمن الصعوبة بمكان , ومن المحبط أن يبدأ العمل الإبداعي أول ما يبدأ كفكرة , لتموت في مهدها لانعدام القدرة لدى المؤلف في قطع بقية المراحل التي يمر بها العمل الأدبي حتى يتلقاه القارئ مطبوعاً بالورق , ككتاب مثلاً .
لقد كنت , وهذا من واقع تجربتي الشخصية مع المنابر الثقافية في بلادنا , وأقصد بالذات , وتحديداً : الملحق الثقافي للثورة , والثقافية بتعز , أهتم للنشر , ولأمر القائمين عليها , أكثر من اهتمامي بالإنجاز بتحويل الفكرة الشعرية إلى عمل شعري , إذ كان لابد لي من التخطيط للنشر ,فالناشر محتكر , وقد ينشر , أو لا ينشر , وإذا نشر بالفعل , ففي أضيق مكان ,كما هو حادث لي دائماً مع ملحق الثورة بالذات , ودائماً , بحيث لا يمكن للمتلقي أن يلحظه , أو يشعر بأنه بصدد إبداع حقيقي وكبير , مادام قد تم نشره بمثل ذلك الحيز الصغير , من فضاء الملحق الرحيب , وبمثل ذلك الإخراج , في الوقت نفسه الذي يعمل هؤلاء المحتكرون على إبراز أي عمل مشابه , وعلى نحو يوحي للقارئ / للمتلقي أنه بصدد عمل عظيم , وأنه أمام شاعر كبير , وقد يصدم , وقد لا يصدم , وبسبب ذلك , انقطعت شعرة التواصل بين المبدع الحقيقي والمتلقين , وانصرافنا , نحن , على نحو شخصي للبحث عن حلول , فكان , من ضمن الحلول , السعي لتأسيس بيت الشعر اليمني , ضمن خطة ثقافية تعيد الاعتبار للشاعر المختلف , والنص الشعري المختلف , وبنشر النماذج الممتازة , دون أي اعتبار للإسم , أو المكانة , أو السن , فما يهمنا , هنا , ببيت الشعر , هو النص الشعري المختلف وحسب .
ومن ضمن الحلول أيضاً , استعانتنا بالنت , بتأسيس موقع بيت الشعر اليمني على الإنترنت , وما ساعدنا في تغطية الفعاليات للشعراء اليمنيين الكبار الذين باستثناء البردوني والمقالح , كانوا , ومازالوا يعانون من عدم القدرة على التواصل بالمتلقين للأسباب نفسها , ولأنهم لا يتعاملون مع تكنولوجيا التواصل الحديثة , فقد خلقت لزمن , على ما يبدو , غير زمانهم , علاوةً , وهو الأهم , للموت الثقافي الذي نعيشه , كل يوم , في بلادنا , بسبب , تقاعس , بل فشل الجهات المعنية في أداء رسالتها تجاه المشهد الثقافي , وأقصد بذلك , وزارة الثقافة تحديداً ,وما يتبعها من هيئات ,فبدلاً من انشغالها بخدمة الثقافة كبنية تحتية , ونشر الكتاب , ودعم مؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة , تشغلنا بملفات الفساد , وبالفعاليات الركيكة , على الرغم أن الفعاليات ليست , في الأساس , من مهمتها , فثمة , من سيقوم بذلك , تحت رعايتها .
2.1. كسر الإحتكار
إن أهمية النت , أنه كسر الاحتكار , كل الاحتكار , بل كل احتكار مارسه , أو مازال يمارسه المسيطرون على المنابر الثقافية العامة ( الحكومية ) , والخاصة , إذ صار لأيٍّ , ولمن يريد , وللكلِّ , وبلا شروط سوى الرغبة , أن يفتح نافذة , ويرى العالم كله , إن أراد , ومادام يتحدث أكثر من لغة , منها , وأن يرسل , ويرسل إليه , وأن يشارك , ويُشَارك , وبلا حدود .
وبسقوط الاحتكار , وهو آلية استبدادية رئيسة , سقطت أنظمة , كان من المستحيل سقوطها , حتى ظهر الفيس بوك , وأشباهه , بفضل سرعة إرسال وتلقي المعلومة , ودورها فعلاً في التأثير .
لقد سارع الفيس بوك , وغيره من محركات البحث والتواصل في نقل المعلومة على سرعة المثاقفة , لا بمفهوم الأدب المقارن فحسب , وإنما أيضاً , بما يعنيه علم الاجتماع كعملية " تفاعل بين طرفين , إلى أن تصير رسالة معينة مجالاً مشتركاً بينهما ( .. ) من خلال قدرة الإنسان على نقل نياته وشعوره , ومعرفته , وخبرته من شخص لآخر , ومن مجتمع بشري لمجتمع ثان , ومن قبيلة إلى أخرى . والتواصل عملية لها صفة الاستمرارية , وليست شيئاً جامداً (1)
ولا يختلف المعنى كثيراً , مابين علم , وعلم , كالنفس , والتربية , والإدارة , وفي مجال الإعلام يُعرف , بأنه بث رسائل واقعية , أو خيالية موحدة على أعداد كبيرة من الناس يختلفون فيما بينهم في النواحي الاقتصادية والاجتماعية , والثقافية , والسياسية , وينتشرون في مناطق متفرقة , إنه " عملية مشاركة بين المرسل والمستقبل , من خلال عملية التغذية العكسية ". (2)
ولا يقتصر تعريف التواصل على استعمال اللغة اللفظية فحسب , بل يشمل أيضاً , الأشكال التعبيرية الأخرى , وذلك ما يوضحه يرينارد بيرلسون وجراي ستير " إنه عملية نقل المعلومات والرغبات والمشاعر والمعرفة والتجارب , إما شفوياً أو باستعمال الرموز والكلمات والصور والإحصائيات بقصد الإقناع , أو التأثير على السلوك ". (3)
لسان العرب , يمدنا بالدلالة نفسها , فمضمون الفعل , وصل " كمصدر ثلاثي , التواصل الذي هو في الأساس خلاف الهجران , وضد التصارم , والفصل , والانقطاع , علاوةً على أنه لغةً , الإبلاغ والإطلاع والإخبار . (4)
إن هذا , بعض تصوري , بصفة عامة , ومع الشاعر تحديداً , فإن أهمية الفيس بوك , تكمن في فورية النشر , وبسرعة , فالشاعر بمجرد ما يقتنع باكتمال قصيدته , يسارع إلى نشرها , ليتلق الملاحظات , بالإعجاب , أو عبر التعليق الموجز المكتوب .
وللشاعر الحرية في تدعيم قصيدته بالصورة التي يراها معبرة عن فحوى قصيدته الشعرية , وفي مواجهة القارئ , في الوقت نفسه , بالحوار الخلاق , ضمن طقس يضفيه حميمي , وما أكثر ما يبتسم الشاعر إزاء عدد من التعليقات الذكية , التي ستنقله من حماسه الأول , إلى حماس جديد للكتابة , كتابة قصيدته الآتية , ويفتح له , غالباً , آفاقاً لم يكن لولا القارئ سيرتادها , وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بقارئ عربي بالذات .
كما إن أهميته تكمن أيضاً , في أن الشاعر بدأ يشعر بالمسؤولية , بمجرد شعوره بأنه لم يعد وحده يتكلم , فقد أصبح العالم مفتوحاً على العالم , وباعتباره جزءاً من هذا الواقع , فالعالم يسمعه اليوم , ويقرأ له .
2. تجربتي الشخصية مع الشعراء
انطلاقا من موقعي كرئيس لبيت الشعر اليمني , فانا معني بالبحث عن الشعراء, وخصوصاً المتميزين الذي يشتغلون على القصيدة , في عشرات من النقط الهامشية هنا , وهناك , من اليمن , ولا يصل صوتهم , فالمركزية , في صنعاء , بالذات حاجز , لابد من اختراقه , بوعي منهم , وبدون وعي ,وكان الفيس بوك , وسيلة حقيقية , لا افتراضية , لاختراق المركز عبر التواصل , وجهاً لوجه , مع عدد من المثقفين المعنيين بالشعر بالذات .
بدأت المسألة , أول ما بدأت بإبداء الرغبة بيننا ,في المشاركة بالفعاليات التي يقيمها بيت الشعر , وبكثير من الأسئلة القلقة عن دور بيت الشعر في تقديم الشعراء , وإلى أي حد نجح , وسينجح في تفعيل برامجه من خلالهم , دون استثناء .
لم أكن أتصور , ولم يكن بحسباني , أنني وقت كنت , أبحث عن قصائد جديدة لمجلة " دمون " , فلا أجد إلا النزر اليسير ,بأنني مع الفيس بوك , سأجد نفسي وسط غابة من القصائد , وجيش كبير من الشعراء , لقد أغرقني الشعراء بمطر قصائدهم الطازجة ,وأيقنت حينها , أننا في صنعاء , كنا نرى المشهد الشعري , من ثقب الباب وحسب .
ولأن " دمون " فصلية , وقد لا نستطيع إصدارها , بسبب الظروف , وهي غير خفية لديكم , ولا على أحد منا ,ولا مجال هنا لذكرها , فقد قررت أولاً , بالتشاور عبر الفيس بوك نفسه ,مع عدد من الشعراء الألفينيين , وفي خضم الثورات , ثورات الربيع العربي , إنشاء صفحة لهم , بعنوان : " الشعراء اليمنيون الألفينيون " في نهاية 2010 , وكانت مجموعة مغلقة ,حتى فتحناها , فيما بعد , على أصحابها , فبادر الكثيرون منهم للنشر في قصائدهم ذات المدلول الثوري .
ثم , أنشأنا صفحة أخرى بإسم بيت الشعر اليمني , , وشاركنا متواصلين مع الكثير من المجموعات , فالنص الشعري الواحد من الممكن نشره في أكثر من مكان , وكل الصفحات .
كنت , خلال كل تواصل مع بعض الشعراء اليمنيين بالذات ,وأغلبهم من جيل الألفية ,الذين شاركوني فيما بعد صفحتي الشخصية , أن أغلبهم , يمتلك الموهبة , وأدوات الشعر , ولا يمتلك في الوقت نفسه , إلى حد ما , الثقة بنفسه كشاعر .
فكثيراً , ما أقرأ في رسائلهم , معاني التواضع .
أدركت حينها , أنهم مثلي , ومثل كل شاعر ناشئ , بحاجة لكلمة سحرية , بالمعنى الحرفي , من الثناء , والتشجيع , وما إن يتلقوها , حتى ينطلقون , كالخيول الأصيلة .
إن أهمية وجود شخص ما , في موقع ما , أو من خلال رابط ما , في زرع الثقة , ثقة الآخرين بأنفسهم , وبما يقدمونه , وبه شخصياً , مهم جداً , فيما نحن , وهم ,وهو , وأنتم , والعالم , بصدده من أجل الإبداع , وفي سبيل تعميم الجمال , على العالم بدلاً من القبح , والحقيقة عن الوهم , والحرية على الاستبداد .
أدعي انني نجحت , كما نجح أساتذة لي من قبل , في زرع تلك الثقة بيني و بين الشعراء , أولاً , وبين بعضهم ببعض ثانياً , وبجدوى النشر بصفحتي , وبأن يشارك جميع المتصلين بي من الشعراء بالنقد , والتعليق على كل ما ينشر لأي زميل .
لقد زاد العدد , يوماً , فيوم , وزاد عدد القراء من خارج المشهد الشعري , ومن غير اليمن , لولا الانقطاع المتكرر للكهرباء , الذي سيربك بعضنا , مما لا يستطيع هذا البعض مع كثرة , وتتابع ما ينشر ,أن يتابع .
لا أخفي عليكم , أنني شخصياً , وفي الكواليس مع الشعراء , نتناقش حول بعض التصويبات , وعن تغيير بعض العناوين , عناوين القصائد , وذلك , قبل النشر ,وبخصوص كلمات الإطراء التي كنت , ومازلت أطعمها تذييلاً على قصائد الشعراء , لم تلق استحساناً لدى الشعراء الذين يشاركوني العملية النقدية فحسب ’ وإنما تطمح في أن يتوسع المشروع مشروع التواصل , كالشاعر عمار الزريقي الذي , تقول رسالته الآتية :
أسعد الله أوقاتكم أستاذي الحبيب
لدي جملة مقترحات أضعها بين أيديكم لعل بعضها ينال استحسانكم
1. تقليل عدد النصوص التي تنشرونها يوميا للشباب بهدف إتاحة الفرصة للنصوص المنشورة لتنال نصيبها من التعليقات والنقاش والإثراء .. لأن كثافة النصوص المنشورة تقيد حجم التفاعل مع المشاركات وربما تمنع من الاطلاع على عدد كبير منها وخاصة في ظل انقطاع الكهرباء..
2. الشعراء الذين لا يتفاعلون مع نصوص الآخرين أرى أنهم لا يستحقون اهتماما كبيرا ... والأولوية لمن يتفاعل مع النصوص المنشورة .. فالمتفاعلين لهم استحقاقين : الأول أن تفاعلهم يكسبهم نموا معرفيا وفنيا وثراء لغويا ويطور من نصوصهم ويمنحهم حافزا أكبر للإبداع وبصورة أكثر غزارة.. والثاني: هو أن تفاعلهم في ظل جمود الآخرين قد ينعكس سلبا في حال استمراره دون التدخل الإداري في منحهم بعض الميزات الاعتبارية عملا بمبدأ الثواب والعقاب ...
هذا الإجراء أيضا يمكن له أن يدفع بالأعضاء الخاملين إلى رفع مستوى تفاعلهم وهذا هو هدفنا ..
3.كما أقترح أن نحسب عدد تعليقات الأعضاء على النصوص المنشورة نهاية كل اسبوع ثم نقوم بتكريم العضو صاحب أعلى معدل مشاركات عن طريق نشر صورته مع كلمة شكر تقديرا لتفاعله ...
وبهذه الطريقة يمكن تكريم أكثر من عضو .. مثلا صاحب أكبر عدد من المشاركات .. صاحب القصيدة التي نالت أكبر عدد من التعليقات ... صاحب أفضل تعليق ... صاحب أفضل قصيدة من وجهة نظر تخصصية نقدية .. وهكذا ..
4. الخطوة الأولى هي أن نخصص ألبوما لكل اسبوع نسميه بتاريخ الاسبوع .. مثلا 16 - 22/ 6 /2012 .. هذا سيسهل على القراء تصفح نصوص كل أسبوع على حدة .. كما سيسهل عملية الاشراف والإحصاء والإدارة ..
اذا استطعنا أن نحقق هدف التفاعل المنتظم فإن أنظارنا ستتجه إلى ما هو أبعد منه .. ولندع ذلك إلى حينه
ما رأيكم؟ تحياتي ومحبتي “ .
وفي رأيي , إننا , مع هذا العمل , وبالرغم من ذلك , أؤكد , نقوم بدور مؤسسي , على صفحات الفيس بوك , حين ننقد , وحين , ننتقي , في خضم من الكم الهائل الذي يصلنا للنشر , ونقوم بترتيب , وإعادة ترتيب المشهد الشعري , بما تحمله التعليقات من دلالة تقييمية , تفضل رغم الخيارات القصيدة على الشاعر , فلا تغلب الإسم , والمتن على صاحبه ,في انفتاح على كل الأشكال الشعرية .
3. تأثير , وسمات القصيدة الألفينية
القصيدة القصيرة , والمضامين الثورية :
ولعل , قبل إقفال هذه المداخلة , أهم ما يمكن أن نشير إليه هنا , من تأثيرات إيجابية من الممكن أن تتحقق , وأن قد تحققت على صعيد تحديث القصيدة اليمنية المعاصرة , عبر التواصل السحري بالفيس بوك , التأكيد على القصيدة القصيرة ,, ربما لأنها الأسرع عند الطبع , وأسرع في الوصول بالهدف إلى القارئ , لا على صعيد الرسالة فقط , وإنما المجاز في عصر الصورة .
بالإضافة إلى القصائد ذات المضامين الثورية , وإلى , وهو المفضل لدى القراء المتلقين ,إلى القصائد ذات النفس الرومانسي , في زمن يكاد يخلو من كل رومانسية .
ولعل في الثلاث السمات السالفة الذكر , تتأكد سمات القصيدة الشعرية اليمنية للشعراء الألفينيين إزاء غيرهم من الأجيال الشعرية السابقة , لا في اليمن , بل والعالم العربي .
أخيراً :
أخيراً , نؤكد ضمن هذا الإطار من التواصل عبر النت بكل أشكاله, وبشكل عام ,أنا , لا نخاف من شبح القرصنة الإلكترونية , وإذا كان لدينا من شيء نخاف عليه , فهو الشعر الذي لا ينشر , وبالتالي لا يصل للناس , ولذلك , كانت تكنولوجيا التواصل أجدر به , من كل قانون , يحمي الملكيات بالرقابة , ومن القائمين على منابر الاحتكار في مشهدنا اليمني بالذات .
إحالات :
(1) انظر نبيل عارف , مقدمة في علم الإتصال , ص:21 .
(2) انظر زيدان عبدالباقي , رسائل وأساليب الإتصال , ص: 33, 34 .
(3) نبيل الجرري , مقدمة في علم الإتصال , ص: 21.
(4) انظر لسان العرب , م:6 , ص: 450 – 449 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق