غار ثور
ثاني اثنين إذ هما في الغار .
إنه جبريل , وليس " أبو بكر " ,
ولا ابن بكر :
" 1 "
ينبغي على القراء أولاً , أن يعرفوا بأن السيرة النبوية
لم تدون إلا بعد مرور مائة عام على وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله , وينبغي
ثانياً , أن يعرفوا بأن التفاسير لم تستجد إلا بعد وفاة رسول الله ب250 عاماً
تقريباً مع الطبري ثم توالت التفاسير بالإسرائيليات وغير الإسرائيليات , وعليه فما
قلناه بشأن جبريل من أنه ثاني اثنين إذ هما في الغار , وأنه القائل للنبي : لا
تحزن ان الله معنا " , هو الحق , فقد أكدت البحوث بأن لا صحة للرواية الزاعمة
بأن أبا بكر الصديق هو الثاني في الغار مع النبي , بل ذهبت إلى تأكيد خروج النبي
دون علم أحد سوى أهل بيته كما جاء في مسند أحمد , وأن الثاني هو عبدالله بن أريقط
بن بكر . ونحن اتجهنا اتجاهاً آخر بقولنا أن القائل للنبي : لا تحزن إن الله معنا
" هو جبريل عليه السلام الذي قال لأم موسى بالوحي عن الله : " وأوحينا
إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني " ,
وهو القائل لموسى : "فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى
" , وهو جبريل نفسه القائل لمريم (ع) : " فناداها من تحتها ألا تحزني قد
جعل ربك تحتك سريا " ,وهو القائل لنبي الله لوط : " وَلَمَّا أَنْ
جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا
تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ
مِنَ الْغَابِرِينَ" , من باب التثبيت بالإطمئنان , فما المانع , أن لا يكون
أبا بكر , ولا ابن بكر , بل جبرائيل ؟ !!
" 2 "
وقد وردت الكلمة نفسها من لدن الملاك عن الله بالبشرى
والثبات في سياقات متعددة من القرآن الكريم , فتأمل معي الآتي : يقول تعالى : ولا
يحزنك الذين يسارعون في الكفر .. " , ويقول مخاطباً النبي : " قد
نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون .. " ,ويقول تعالى : " ولا تحزن عليهم
واخفض جناحك .. " , ويقول تعالى : " تتنزل عليهم الملائكة ألا
تخافوا ولا تحزنوا " صدق الله العظيم.
" 3 "
إنما تنزل السكينة على الخائف المترقب المثقل بالأحزان ,
ولو كان القائل " لا تحزن إن الله معنا " هو محمد صلوات الله عليه وآله
لغيره سواء كان ابن أريقط ابن بكر , أو كان أبا بكر الصديق لتوجه الخطاب ,من قوله
تعالى : " فأنزل سكينته عليه .. " , إلى غير محمد (ص) .
وعليه , فالمعنى ,كالآتي : القائل : " لا تحزن
إن الله معنا " ,هو جبرائيل الذي كان قد قال ما سلف مطمئناً الرسول (ص)
با عتبار ما كان عليه من الحزن . ولذلك حصل العطف بالفاء السببية تعقيباً ,منصرفاً
بالخطاب إلى محمد (ص) : " فأنزل سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها
" , صدق الله العظيم علاوةً على تصادم الآيات هنا , مع الروايات الموضوعة
بالإخبار في السيرة فيما يتعلق بالحمامة البائضة , والعنكبوت الناسجة على الكهف
بحيث لا يفطن الكفار إلى من في الغار , قلنا أنها تتعارض مع قوله تعالى بالتحديد :
" فأيده بجنود لم تروها " , وهو يقصد الملائكة , فقد استشعر الراوي
والمفسر معاً , من التوراة ما مر من أن العنكبوت نسج خيوطه على فم الغار الخاص
بداوود عليه السلام , وأسقطها على النبي محمد (ص) , بالإضافة إلى كذبة ما قيل أن
أسماء بنت أبي بكر كانت تذهب وتعود بالغذاء لهما , من حيث لم يفطن الراوي أنها
كانت ليلة الهجرة جالسة مع زوجها بالحبشة .أخيراً , نقول أن سورة التوبة مدنية ,
أرسلها رسول الله مع علي عليه السلام ليبلغ بها الناس في المناسك من السنة التاسعة
للهجرة .
نتمنى على
القراء في العصر الحديث الذين يبحثون عن الحقيقة , في سبيل فهم أفضل للقرآن , أن
يناقشونا ويبحثوا معنا , لنصل معاً , إلى حيث نريد من الوعي بكتاب الله بعيداً عن
منح الألقاب وتوزيع الصكوك فما نزل القرآن من أجل ذلك بل رحمة للبشرية إلى الأبد ,
وأما الصحابة فهم بشر مثلنا يجري عليهم مايجري علينا إذ لا تقديس ولا تصنيم , من
قوله تعالى : " من عمل صالحاً فلنفسه " , صدق الله العظيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق