الأحد، 11 يناير 2015

عزير و المسيح د.عبدالسلام الكبسي





عزيرٌ :

عزير و المسيح في القرآن , اسمان لشخص واحد هو عيسى بن مريم (ع) , ومعنى المسيح : الصائم , الكثير الصوم .

 

 

" 1 "

 

 من هو الذي مر على قرية ؟ الواضح من السياق أن الذي مر على القرية كان مؤمناً , وقد سيق مثلاً , بعد ابراهيم عليه السلام , ثم التفت القرآن بعد ذكره إلى ابراهيم نفسه في السياق نفسه من البعث : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)- البقرة .

 أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)- البقرة .

 وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)- البقرة .

 

" 2 "

 

من هو صاحب الحمار ؟

واختلفوا في ذلك الذي مر على القرية، كابن كثير , و الطبري والبغوي , وغيرهم عند السنة والشيعة على حد سواء .فقال قتادة وعكرمة والضحاك: هو عزير بن شرخيا، وقال وهب بن منبه: هو أرميا بن حلقيا، وكان من سبط هارون، وهو الخضر , وقال مجاهد: هو كافر , شك في البعث. واختلفوا في تلك القرية فقال وهب وعكرمة وقتادة : هي بيت المقدس، وقال الضحاك: هي الأرض المقدسة، وقال الكلبي: هي دير سابر أباد، وقال السدي: مسلم باذ، وقيل ديرهرقل، وقيل: هي الأرض التي أهلك الله فيها الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، وقيل: هي قرية العنب، وهي على فرسخين من بيت المقدس { وَهِيَ خَاوِيَةٌ } ساقطة يقال: خوي البيت بكسر الواو يخوي خوى، مقصورا، إذا سقط وخوى البيت بالفتح خواء ممدودا إذا خلا { عَلَى عُرُوشِهَا } سقوفها، واحدها عرش وقيل: كل بناء عرش، ومعناه: أن السقوف سقطت ثم وقعت الحيطان عليها .

 

" 3 "

 

لكننا نرى رأياً آخر , وهنا الجدةفي التأويل, بأن " عزير " و " المسيح " الوراد ذكرهما في الآية التالية بخصوص تأليه اليهود والنصارى , اسمان لشخص واحد , هو عيسى بن مريم (ع) :

 

يقول الله تعالى : " وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " , صدق الله العظيم .

فالتعزير مصدر لعزير , على اعتبار أن هذا الأخير صيغة مبالغة :" عزير / فعيل " , بمعنى النصرة أو العقاب ( عزر بمعنى لام , و رد , و حد دون الحد , وبذلك يفهم من قولهم عزير , أي المصلوب ) , وذلك من قوله تعالى في القرآن في سياق حديثه عن الأنبياء والأولياء : " وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ " , و قوله تعالى في موضع آخر بخصوص الرسول محمد (ص) : " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " , صدق الله العظيم .

 

ولعل في إشارة الشهرستاني صاحب كتاب " الملل و النحل " ما يمكن أن يكون مفيداً , في هذا السياق فقد ذكر بأن طائفة من اليهود يعتقدون بألوهية عيسى (ع) , أثناء تعرضه لاعتقادات الطوائف اليهودية , منهم أرتوس حيث قال في المسيح :" إنه هو الله وإنه صفوة العالم " .

 

" 4 "

 

كما نرى في هذا السياق أيضاً , للفائدة , أن معنى تسميته بالمسيح , أي الصائم , الكثير الصوم .

ومما يؤيد ذلك , ماعُرف عن يسوع المسيح في الأناجيل أنه كان كثير الصوم لدرجة مبالغ فيها فقد صام أربعين يوماً وليلة في البرية, وكتب القديس لوقا , يقول :" وتعرض لإغراء الشيطان أربعين يوماً, وخلال تلك الأيام لم يأكل شيئاً , وعندما انتهت المدة صام بعد ذلك " .

وفي القرآن الكريم مايؤيد رأينا , في قوله تعالى من سورة التوبة في وصف المؤمنين : " التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ  " , صدق الله العظيم .

وفي قوله تعالى من سورة التحريم في وصف المؤمنات : " عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5) " , صدق الله العظيم .

فالسائحون والسائحات أخيراً , حسب اللغة عند العرب ولدى أغلب الذين تعرضوا للقرآن بالتفسير, هما بالمعنى نفسه من الصيام .

ومن حيث وزن الكلمة : فكلمة "المسيح" على وزن فعيل للمبالغة .

 

عيسى و الموت :

 

يخبرنا القرآن مصححاً الواقعة التاريخية بأن عيسى (ع) لم يقتل كما إنه لم يصلب : 

" وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا " , صدق الله العظيم .

ويقول تعالى : "

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ " , صدق الله العظيم .

والتوفي هنا , هو الموت , من قوله تعالى : " اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " , صدق الله العظيم .

وذلك من قوله تعالى على لسان المؤمنين : "  إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " , صدق الله العظيم .

 

وعليه , لا مجال بعد ذلك , لمن يقول بأن عيسى لم يمت بالرفع على وجه الخرافات , في وجود ما تقدم من آيات , علاوة على قوله تعالى : " كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون " , صدق الله العظيم .